ضوء أحمر

ثقافة 2021/11/02
...

 ميثم الخزرجي
 
فلو توقفنا بحرص ودراية عند ما نستحضره من نتاج أدبي قليلاً كان أو كثيرا، وأنا هنا لا أروم الفهرسة بقدر ما استقرئ المشهد بصورة عامة لأجد أن هناك مواد استهلكتها مجانية الجمل الجاهزة والمترهلة التي فقدت صلاحيتها للتعبير عن غايتها، فضلاً عن فداحة الرؤى وسذاجة المضمون، وهذا التتابع وحده يحتاج إلى مشغل وورشة نقدية عامرة كيما نعدّ له سبباً أو تبريراً ناجعاً يجعلنا أمام مزاولة فكرية خالية من لعبة التماهي، ولست الآن بصدد الغوص في مناهج نقدية لها اشتراطاتها ومدلولاتها بتحليل نص معين بقدر ما ألفت نظر هذا المشغل كونه الطريق الاوفر حظاً للإطاحة بكل ما هو معوز وشائك. 
لكن بودي أن أسلّط الضوء على مدى مقبولية الذائقة واستجابتها لبعض من الاعمال الهابطة الذين توافق كتابها على جملة بادروا بتسويقها من دون أن يعوا ماهيتها (الجمهور عاوز كده) لأعلن ترفعي عن مفاهيم مثل هذه مثبطة غير راكزة ليس لها بواطنها المعرفية كونها من المفاهيم الهامشية التي مررت إلينا كغيرها من دون أن تحمل استبياناتها وكشوفاتها المترتبة على تسويق هذا الطرح.
 فلو تتبعنا أسباب الانحدار الذوقي في مجتمعاتنا العربية لوجدنا هناك كمّا لا يستهان به من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ايضا أسهمت بصورة أو بأخرى للترويج لمثل هذه المشاريع المتعثرة طمعاً في الكسب أو لسد الفراغ من دون رادع مؤسساتي له مرجعيته الثقافية المتواصلة مع النتاج الذي يظهر، لتحدّ منه ولو عن طريق الاشارة، فعندما نتحدث عن رواية معينة أو مجموعة شعرية كانت أو قصصية وصلت إلى ما عليه من الشهرة ليفاجئنا محتواها الركيك ومضمونها الفج فضلاً عن عدم حيازتها للجانب الانساني الذي من المفترض أن يكون من أهم المسلمات في التعبير عن واقع المجتمع وقضاياه الكبرى، ليطالعنا سؤال مر عن كيفية تسليع هذا المنتج في المشهد الثقافي؟ وما هي الاضافة التي من ورائه تستطيع أن تثري الحركة الادبية كونه مرمماً بهذه التقليدية؟. 
برأيي أن هناك ماكنة اعلامية ودور نشر متكسبة تفتقر لأبسط المقومات العلمية في كيفية مقبولية النتاج الادبي لتخرجه لنا بهذه الحُلة المتخبطة، ومما لا شك فيه أن هذا السيل من الغثاء اصبح له مريدوه من كل انحاء المعمورة ليسهم المتلقي من دون أن يعرف بهذا التردي الحاصل، المسألة الثانية هناك بعض لا يستهان به من الذين يحملون صفة الناقد يحاولون اضاءة وتلميع مثل هذا النتاج وهم لم يصلوا إلى مرحلة البلوغ الادبي الذي من خلاله يستطيعون أن يقيّموا نتاجاً أو طرحاً ادبياً والغور في عوالمه الجمالية ظناً منهم أن حصافة الناقد تكمن في مدى التعبير عن النتاج الذي نجّمته دور النشر ووسائل التواصل الاجتماعي لا من خلال التمعّن أو الكشف عن مضامينه المخبوءة، ومن الملاحظ ايضاً أن مثل هذه المواد لها من الكتَبَة الكثير يحاولون تمجيد المادة وهم بالمستوى الضئيل نفسه، وهذا ما نجده بصورة بارزه في مجانيّة الانترنت ممن استهواهم هذا الفضاء غير المكبّل بأغلال أو قيود لغوية أو نحوية، فلهم من الحرية ما يكفي لإعطاء صفات ونعوتات مجانية لا تحتكم إلى ضوابط فنية ليطلقوها جزافاً لأسماء أوهموا بأنها أصبحت المتسيّدة في المشهد الثقافي، فمن غير المعقول ظهور هذا الكمّ من الشعراء وكتّاب السرد من دون وجود رقابة صارمة وحازمة تأخذ على عاتقها تهذيب النّتاج بمحتواه اللغوي والنحوي، ناهيك عن الاكتراث لماهية الافكار المتبنّاة فنحن في هذه المرحلة بحاجة ماسّة إلى أن نوثق ونؤرشف وندوّن كمّ المحن ومراحل الفقد الذي يعيشه الانسان على اختلاف انتماءاته ومعتقداته، مهمومين بحالة التشظي في هذا العالم المكتظّ، فعلى مرّ العصور نجد أن النص المعنيّ بالإنسان له من العمر دهراً من دون أن يذوي أو يصاب بحالة من الانهيار أو الامّحاء، وهنا أود أن أشير إلى عمر هذه النتاجات الفعلية وديمومتها في اعتبارية ومعايير السياقات الفنية المجمع عليها، لذا من الواجب أن تكون هناك حاضنة مهنية ولجان اكاديمية محكمة لها ركوزها وثباتها لإجازة النتاج الادبي من دون مجاملة وتهاون كوننا أمام حالة من الضياع المقصود لأبنائنا في ظل هذه المرحلة المأزومة.