علي حسن الفواز
الحديث عن نهاية كاملة للارهاب يتطلب واقعا سياسيا يتقبل هذه النهاية الواقعية، مثلما يتطلب جملة من المعطيات التي تخص الواقع الاقتصادي والأمني، وأهمها مايخصّ الواقع الثقافي، حيث الحاجة الى الوعي العميق بخطورة الارهاب، ومعرفة الحاجة الى السلام الاهلي والتعايش والقبول بالآخر..
هذه المقدمة تنطلق من مؤشرات كانت تجعل من موضوع الارهاب رهانا لبعض الدول، ولبعض القوى، والتي سعت وتسعى لتوظيفه في سياق البحث عن مصالحها عبر دعمها للارهابيين، وعبر منعها حدوث أي استقرار حقيقي في العراق، وهذا مايعني أن تكون الدولة العراقية بمؤسساتها الدستورية والأمنية والمدينة على بيّنة من هذه الاخطار الواقعية والمحتملة، وأن تدرك أنّ الجنبات السياسية والثقافية هي الأكثر توظيفا، وتهييجا في احداث خروقات في الواقع، وفي الرأي العام، وحتى في المدن التي تحررت من الارهاب الداعشي..
ماجرى في الايام الاخيرة في مناطق النخيب والثرثار وفي سامراء لايمكن فصله عن مايجري على الحدود العراقية السورية، ولايمكن عزله أيضا عن طبيعة التصريحات التي يطلقها سياسيون وأمنيون من هذه الدولة أو تلك، والتي تكشف عن حجم التعالق مابين الارهاب كأداة، وبين السياسة كمجال برغماتي لتمرير وتغويل المصالح، وللتأثير عن سيادات الدول، وعلى استقلالها وعلى أمنها الوطني والاجتماعي والثقافي، وعلى تعطيل أية فاعلية حقيقية في مواجهة الارهاب والفساد، وفي الشروع بتنميات واسعة تحمي المجتمع، وتكفل تحولاته الاجتماعية والاقتصادية والصحية والخدماتية..
لسنا وحدنا في العالم.
العالم جغرافيا واسعة، تتشابك مع بعضها البعض في المصالح وفي العلاقات والمنافع، والحديث عن(الجغرافيا المرعبة) هو ذاته حديث صناعة الرعب والتعطيل التنموي، وفرض الصراع على حساب تلك المصالح، ولنوايا متعددة، تسعى كثير من الدول الكبرى والدول الاقليمية لتوظفيها في السيطرة، وفي فرض ارادتها على الآخرين.
مايحدث في العراق ليس بعيدا عن ذلك، فتاريخ الحروب التي عاشها العراقيون ترتبط بتلك الصراعات، وبتوجهات بعض الدول الكبرى التي حاولت أن ترسم خارطةً للرعب الدائم في المنطقة، وأن تدفع دولها الى التورط في تلك الحروب العبثية، والتي انتهت جميعا الى تدمير البنى الوطنية والسياسية والاقتصادية، وحوّلت عديدا منها الى دول
مهاجرين ولاجئين..
إنّ مراجعة الواقع الثقافي وعلى وفق مقتضيات الحاجة والضرورة هي العتبة التي يمكن الانطلاق منها، والتأسيس عليها لمواجهة تلك التحديات، وللعمل على تعزيز مسار الارادة الوطنية، وعلى مشروعية صناعة(الدولة القوية) دولة المؤسسات والقانون، والتي تملك وحدها فرصة قطع الطريق على عودة الارهاب، وعلى مواجهة تداعياته، وتبني البرامج والمشاريع الوطنية الكافلة للتأهيل والبناء والعمران، واعادة ثقة المواطن بوطنيته، واحساسه بالانتماء العميق، لأنّ اخطر ماتركه الاستبداد السياسي والفساد والارهاب هي التشوهات في الذات الوطنية، وفي عدم الثقة بها..
مسؤولية الثقة هي ذاتها مسؤولية الايمان باننا لسنا وحدنا في العالم، وأنّ معرفتنا بهذا العالم تبدأ من معرفتنا بالذات الوطنية، وبأهمية الحوار العميق والصريح، ومواجهة تاريخ الكراهية الذي حاول زرعه الاستبداد، وصنّاع الحروب، والسياسات الاقليمية الشوهاء، وهو مايعني
معرفة أنّ الارهاب صناعة، واجندات، وسياسات، وأنّ التصدّي لها يتطلب وعياّ وارادة، ومسؤولية وموقفا وقوة، إذ تتعاضد كل هذه المتطلبات لتعزز مسار بناء الدولة والتنمية والديمقراطية، فضلا عن دورها في تأصيل الهوية العراقية في حاضرها، وفي علاقتها مع الآخرين، وفي احترام كل التنوعات الدينية والطائفية والقومية ضمن الاطار العام
لهذه الهوية.
إنّ فعل المواجهة يتطلب تأسيسا، وعملا وتواصلا، مثلما يتطلب تكاملا بين الملفات كافة، لاسيما الملف الثقافي بوصفه المعني بالتعايش والتآخي، والتسامح والقبول بالآخر، والتعريف بالتنوع والتعدد الذي لاينفصل عن تاريخية الحياة العراقية، وأحسب أن العمل المؤسساتي المكفول بالقانون هو الطريق الأكثر فاعلية في احداث التغيير، وفي مواجهة الفساد المستشري، والذي وجد في غياب فهم حاجات الدولة مجاله للتغوّل والتضخم، وفي ايغاله بتخريب نفوس الناس، مثلما هو ضرره في تعطيل وتخريب مشاريع بناء وتنمية الواقع
العراقي الجديد..