نصير فليح
ما يجري من تصعيد مستمر بين الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية من جهة، وروسيا الاتحادية من جهة اخرى، لا يهم تلك البلدان فقط، بل مختلف مناطق العالم لا سيما تلك المتأزمة منها، مثل منطقتنا (وعلى رأسها الملفان السوري والايراني) ومناطق اخرى مثل كوريا الشمالية، وفنزويلا. وهو تصاعد اخذ تسارعا اكبر بكثير مع مجيء دونالد ترامب الى السلطة.
من يتمعن جيدا في التوترات المتصاعدة سيلاحظ ان روسيا كما يبدو قررت المضي في شوط التحدي الى النهاية، لكن دائما بعد ان يقوم الطرف الاخر بالخطوة الاولى. وهذا يعني سحب المسوغات لاتهام روسيا بانها سبب التصعيد. وهي رسالة موجهة الى الداخل الروسي، والداخل الاميركي ايضا، فضلا عن اوربا والعالم بمجمله، على مستوى الدول او على مستوى الرأي العام.
الظاهر ان قادة الكرملين رأوا ان طريق التنازلات التدريجية لم يزد الطرف الاخر الا استفحالا، فكان التوجه الجديد الذي نلاحظه منذ اعوام، والذي يمثل نقطة انعطاف هامة على مستوى العالم وما يجري فيه. فدعم الغرب والولايات المتحدة لاوكرانيا، تم الرد عليه بالدخول الفوري الى شبه جزيرة القرم. والعقوبات الاميركية والغربية على روسيا تم تحديها. وسعي الغرب الى اسقاط الحكم في سوريا افضى الى تدخل عسكري روسي مباشر، ومؤخرا، قضية فنزويلا، والردعلى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية نزع الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى (موقعة عام 1987) بتعليق العمل بالاتفاقية بمرسوم وقعه الرئيس بوتين قبل أيام.
ان الموقف الروسي المتنامي تاثيرا يجعل الحسابات الجيوسياسية مختلفة تماما في منطقتنا بين حلفاء الولايات المتحدة من جهة، وحلفاء روسيا من جهة اخرى. لكن بالنسبة لبلدنا يبدو الوضع مختلفا، فالولايات المتحدة لها قوات عسكرية على ارضنا، ومعاهدة تعاون ستراتيجي، والاسلحة والتدريبات على امتداد الاعوام الماضية كانت بالتنسيق مع الولايات المتحدة والغرب بالدرجة الاساس. لكن هناك جملة عوامل تشير الى مزيد من التوتر المحتمل بين الولايات المتحدة والعراق. فهناك ملفات عالقة غير محلولة واحداث تشير الى احتمالات المتسقبل، مثل وجود القوات الاميركية في العراق بعد حسم المعركة على الارهاب ومبررات بقائها، والزيارة المثيرة للجدل التي اثارها هبوط ترامب في القاعدة العسكرية الاميركية، واشارته الى اهمية القاعدة لمراقبة ايران، ومواقف العراق السياسية غير المناهضة لايران وسوريا، وغير المتحالفة مع اسرائيل.بينما يبدو ان الولايات المتحدة تحت ظل ترامب باتت تتذمروتيأس من قدرتها على تغيير استراتيجيات السياسة في العراق بخصوص ملفات المنطقة الساخنة، وهو ربما ما عكسه شيء من قول ترامب قبل أيام: أنفقنا سبعة تريليونات دولار ونضطر للهبوط في العراق بطائرة مظلمة!