المثقفون والممارسات المجتمعيَّة

ثقافة 2021/11/06
...

 وليد خالد الزيدي 
 
يدرك الناس بطبيعتهم أن عصرهم الذي يعيشونه هو متغير ولو بدرجات او أشكال متفاوتة؛ لذا نراهم في حرص دائم على ألا يأتي لهم مستقبل وهم قابعون في قاع الماضي وطواميره المظلمة، من جهة، او يأتي لهم بنبأ يتعارض مع أفكارهم وتعاطيهم الفطري مع متطلبات حياة اعتادوا عليها، من جهة أخرى، وهنا يكمن دور المثقف في ايجاد حلقة وصل مقبولة بين الجهتين، فالثقافة في مناط ما يحتاجه المجتمع ويرجوه لمواكبة خطى الانسانية في سعيها لتعيش فوق عصرها، تحسبا لما هو آتٍ. 
يتسم مثقفو العراق بقدرتهم على التمييز بين الماضي الراكد المتقوقع في عقول متحجرة وبين الماضي المتجدد المتدفق في أفكار نيرة، وما نقصده بـ {المثقفين} هم أولئك الذين يعيشون فوق عصرهم لا للتعالي على أبناء جلدتهم، بل لإعلاء شأن مجتمعهم، فهم من يسعون لامتلاك مكننة للتأثير العلوي، لحمتها التجديد، وسداها الإبداع، فتصبح لديهم الثقافة خيرا عميقا يمتلك طبيعة سامية، وخاصية راقية لتحمل عنصر النهوض بمستوى الإنسان، من خلال مجهودات مشتركة، لتمكين أوساط المجتمع للإحساس بوجودها، انطلاقا من الشعور بالمسؤولية تجاه الشكل الإنساني وانتهاء بمحبة الإنسان. وتبعا لمفهوم عام للثقافة، ليس بالضرورة ان يكون المثقف دارسا، او منتجا للفكر، بل يمكن للعامل والفلاح أن يحوز نصيبا منها شأنهما شأن المثقف الكبير، على أن يكون جزءا مهما ورقما صعبا في سجلات التغيير المنشود، حتى وإن اقتصر دوره على رفع يده فقط مؤيدا او معارضا، لما يصح أو لا يصح، بنظرة شاملة مستقبلية، متطلعة نحو الإصلاح، والإمساك بعصا النجاح، ويفترض بهذا المفهوم.
إن جميع الناس مثقفون بقدر او بآخر، لكنهم جميعا لا يمارسون الوظيفة المجتمعية التي تمثل ذروة الثقافة، كإنتاج ونقل الأفكار وهو ما نبتغيه من هذا المفهوم، المفكرون والكتاب والعلماء والأدباء والنقاد والصحفيون والفنانون والمدرسون، والخطباء، فهم كل لديه جمهور من المتلقين، ليؤثر فيهم بالضرورة، لاستنهاض هممهم وإيقاظهم، واسهامهم بتفتيح مكامن شخصياتهم، وبلورة أفكارهم لتكون في طريق سليم باتجاه التغيير المراد، لا سيما أثناء الممارسات الجمعية لتسمية ممثليهم في انبثاق القرارات، إذ يكونون في أوقات يتطلب فيها تغيير حال المجتمع لحال افضل، لا سيما في ممارسة العمل الديمقراطي باختيار قادة يتطلب منهم ادارة البلاد وقيادة العباد، فيأتي دور المثقفين في بلورة قسمات الوعي الجماهيري لتشذيب افكار جميع فئات الشعب من شوائب التخلف، فتصب النخبة المثقفة جهودها، في توضيح دور الجمهور في التغيير وتجاوز الأخطاء باختيار الأفضل، فتكون ناطقة أمينة باسم الشعب، بنشاطات ومجالس حوارات وكتابات تلامس مصالح جميع الناس، شريطة أن يوحد المثقفون خطاباتهم تحت مظلة الالتزام الاخلاقي بنهج وطني مستقل، بعيدا عن المصالح الفئوية في نطاق تحمل الواقع ليكون أساس التعبير المطابق لمصالح العامة، يتجاوز شخصنة المطالب على أساس فئوي، وبهذا يكون المثقف أقدر على تصعيد الحرية الذاتية للجمهور، وشعوره بامتلاكها وممارساتها الجمعية، كسبيل لتحريره من مغبة الجهل وقيود التخلف.