حاتم حسين

ثقافة 2021/11/06
...

حميد المختار 
قلة هم الرجال الذين يخرجون نوازع النفس السلبية خارجاً ويبقون على صفاتهم الطيبة التي جبلهم الله عليها، هؤلاء الرجال عادة ما يكونون مجهولين لا تراهم تحت الأضواء إنما روحك فقط تشعر بوجودهم وتهمس لهم وتبارك خطْوهم وهم يسيرون بتؤدة في وحشة من الليل، والصديق حاتم حسين واحد من هؤلاء الرجال الذين أوقدوا شموعاً في تلك الليالي الموحشة وأضاؤوها بوهج أرواحهم وكرم نفوسهم لا يطمعون في شيء ولا يلهثون أو يتكالبون أو يتسابقون إنما يقفون كضوء عابر في أفق مفتوح ويمدون الأيدي لا للأخذ إنما للعطاء، وهو عطاء يشمل الجميع الغريب والقريب، كَتبَ حاتم حسين القصة والقصة القصيرة جدا ومازال يكتب ويصر على ذلك من غير أن يفكر في جمع كل ما كتب لينشره في مجموعة قصصية، وقد تعبت من الإلحاح عليه بشأن جمع تلك النصوص لكنه ولسبب لا أعرفه يرفض ويقول دعني أكتب أولا وبعد ذلك سأفكر بطبع الكتب، الكرماء وأصحاب النفوس الكريمة لا يفكرون بأنفسهم أبدا لأنهم يشغلون وقتهم بالتفكير في غيرهم، مساعدة الناس وإسداء النصح لهم وفتح آفاقهم المغلقة، و.. و.. وأشياء كثيرة، وما يحزنني في ذلك أنه يغبن نفسه كثيرا ولا يفكر بها ولا يفكر حتى بمصير نصوصه القصصية إنما هو يفكر فقط في الكتابة، أنتج فيلماً سنيمائيا طويلاً وكتب قصته وكان عنوانه (المفاتيح المحرّمة) من إخراج أحمد سالم وتمثيل (سليمة خضير وغازي التكريتي وتمارة محمود وعادل عباس وطه علوان وعزيز كريم)، ولقد مر على هذا الفيلم زمن طويل من غير تسويق وتوزيع ولأسباب أيضا أجهلها، وكثيرا ما كنت أقول له لا بد من إظهار هذا الفيلم للنور وبيعه على القنوات الفضائية، ولا أعرف سبباً لكل هذا الانغلاق على الذات وهي ذات فاعلة ومنتجة وإنسانية ورحيمة، فضلا عن كرمها وطيبتها، جمعني معه سجن أبو غريب قبل سقوط النظام بسنوات وقد اكتشفت صفات نفسه الكريمة حين رأيته يوزع العلاج المجاني على المرضى في السجن وقلت في نفسي: “لا بد لهذا الرجل من منفذ نور لينطلق لا أن يبقى سجين الزنزانة هنا”، وحين تحدثت معه وأصبحنا أصدقاء بعدما قدم لي العلاج وأنا المريض المزمن، اكتشفت فيه الكاتب الانسان والفنان الملتزم بقضايا وهموم البلاد والعباد، وكان يشجعني دوما ويفتح لي آفاق الأمل والخروج الى الحرية، ابتدأ الكتابة القصصية مطلع سنة 1986 بمعنى أنه لو تواصل مع الوسط الثقافي العراقي آنذاك لأدرجه النقاد حتماً ضمن أسماء الجيل الثمانيني العراقي لكنه والحق يقال هو جيل بحد ذاته، جيل من النقاء والشجاعة والكرم والمحبة والتاريخ المشرف. تحية لصديقي القاص حاتم حسين متمنياً له السلامة والعافية وهو مقبل على عملية (قلب مفتوح) كبرى لفتح ثلاثة شرايين مغلقة، ولأنه من الذين يفتحون دروب الأمل فإن الله حتما سيفتح له ما أغلقه الزمن.