تسميات النصِّ النثري وتباين الأمزجة النقديَّة

ثقافة 2021/11/10
...

 عادل الصويري
 
ثمة آراء تذهب إلى أن غياب المعيار الخاص بتحديد ملامح النص المكتوب نثراً، يمثل شهادة واقعية على بقاء وحضور هذا الجنس الكتابي المختلف عليه من أهل الشعر على مستوى التجنيس. ولكن لماذا تعددت تسميات هذا النص؟ لدرجة أنها وصلت إلى أكثر من عشرين تسمية استعرضها الناقد (عز الدين المناصرة) في كتابه (قصيدة النثر نص مفتوح عابر للأنواع)، خصوصاً وأن أكثر تلك التسميات يمكن بعد اختصارها، أو توحيدها على صعيد اللفظ والمعنى؛ أن تكون أقل، ومن ثم تتقلص دائرة التباين النقدي عن
النص النثري.
ربما جاء تنوع التسميات؛ بسبب طول الفترة الزمنية التي بحث المناصرة فيها تسميات قصيدة النثر، إذ جاءت المدة من 1905 حتى 2001. والتسميات التي استعرضها الناقد المناصرة هي: (الشعر المنثور/ الخاطرة الشعرية/ الكتابة الخاطراتية/ النثر الفني/ قصيدة النثر/ النثر المركز/ القصيدة الحرة/ قطع فنية/ الكتابة الحرة/ شذرات شعرية/ القصيدة خارج التفعيلة/ النص المفتوح/ الشعر بالنثر/ الكتابة الحرة/ الكتابة الشعرية نثراً/ الكتابة خارج الوزن/ الجنس الثالث/ النثيرة/ غير العمودي والحر/ النثر الشعري/ قصيدة الكتلة/ الشعر الأجد/ القول الشعري).
لا أريد البحث في أسباب التسميات التي أراها جاءت مستعجلة وغير خاضعة للتأمل الفني باستثناء تسميات قليلة يمكن الحديث عنها 
نقدياً. 
ولكن لو أردنا المقارنة بين تسمية (القصيدة الحرة) وتسمية (القصيدة خارج التفعيلة) فإننا سنكون أمام مأزق آخر؛ لأن كثيرا من المهتمين بالشعر العربي أطلقوا تسمية (الشعر الحر) على قصيدة التفعيلة التي تمت تسميتها خلال عقود متأخرة، بدليل أن تسمية الشعر الحر في المناهج الدراسية لطلبة المتوسطة والاعدادية كانت تدرس الشعراء الذين فككوا القصيدة التقليدية وهي قصيدة الشطرين، لكنهم حافظوا على إيقاع الوحدات الوزنية. 
ولم     يدرس الطلبة شعراء النص النثري في منهج
الشعر الحر. والكلام نفسه ينطبق على تسمية (غير العمودي والحر)، فالذي أطلق هذه التسمية يدرك أن (الشعر الحر) هو ذاته قصيدة التفعيلة؛ لأنه أطلق تسمية (غير العمودي والحر) على الكتابة النثرية، وإلا لماذا يطلق هذه التسمية في حين أن القصيدة النثرية سُمِّيت بـ (القصيدة الحرة) في بعض الأزمنة؟. 
ولو عدنا لعنوان كتاب الناقد (عز الدين المناصرة)؛ سنجد أنه اقتنع بتسمية (النص المفتوح)؛ بدليل أنه عنون كتابه (قصيدة النثر نص مفتوح عابر للأنواع). 
ولكن هل قصيدة النثر أو النص النثري نص مفتوح فعلاً؟ وماذا يُقصد
بالمفتوح؟.
ترى الدكتورة (رباب هاشم حسين) أن النص المفتوح مصطلح يقول به الشعراء أكثر من كتاب القصة والرواية وأن «جهد التنظير النقدي لهذا المصطلح قد انحصر بيد هؤلاء، إذ كان الشعراء وما زالوا هم الأكثر ضجيجاً عربياً».
ولعل إشارة الدكتورة رباب للشعراء في الإكثار من الحديث عن النص المفتوح؛ جاءت بقصد إحالته إلى الكتابة غير الشعرية؛ لأنها تستشهد بتحليلات الناقد والروائي الإيطالي (امبرتو إيكو)، إذ قالت إنه تبنى هذا المصطلح في تحليل نصوص سردية وليست شعرية وقد عدَّها نصوصاً مفتوحة.
وفي هذه الحالة قد نكون أمام مأزق آخر يتعلق بالتسميات، فمثلما توجد تسمية (الشعر بالنثر)؛ يمكن – وفق ما أشارت له الدكتورة رباب هاشم – أن نطلق تسمية (السرد بالنثر)!.
وسواء تعلق النص المفتوح بالشعر أو السرد؛ فإنّ قصيدة النثر بغض النظر عن تسمياتها المتعددة هي محل تباين الأمزجة النقدية التي تؤكد أنها شعر غير خاضع «للمقاييس النهائية بصفتها خلاصة» على حد تعبير أدونيس، أو كما يراها شعراؤها من أنها أحدثت ثورة كبيرة في الشعر، وهذا ما يرفضه الناقد الجزائري (عبد الملك مرتاض) الذي ينفي أي ثورة للنثر في الأدب العربي منذ ابن المقفع. بل ويرى أن قصيدة النثر الحالية تؤذي المعاني رافضاً تجنيسها؛ لأن كل التنظيرات الكتابية عنها لم تتبلور لدرجة الاقتناع بخصوصية هذا الشكل من الكتابة، حتى مع إعجابه بما كتبه أبو حيان التوحيدي، ودعاء الكروان لطه حسين، وفي الخلاصة يعتقد أن قصيدة النثر «محاولة نثرية للتعلق
 بالشعرية».
وعلى العكس من رأي الدكتور مرتاض؛ يجتهد الناقد المغربي (نجيب العوفي) في الدفاع عن حضور النص النثري بصفته ظاهرة إبداعية مهيمنة على المشهد الشعري العربي، حتى مع اعتقاده بوجود «غثاء شعري» ناتج عن التماهي والاستنساخ، وأن الملاحقات النقدية الجادة كفيلة بتشخيصه وعزله.