استعادة غضبان عيسى

ثقافة 2021/11/10
...

لؤي حمزة عباس
إنَّ من سوء حظ الثقافة العراقية، تبدد العديد من المواهب بانطفاء حياة أصحابها، قبل أن يمنحهم الزمن ما يكفي للتعبير عما تعد به مواهبهم، فقد ابتلعتهم زوابع السياسة وأودى بهم بطش الأجهزة الأمنية حتى صار من الصعب استعادة ما بقي من تراثهم الذي ضاع بضياع أصحابه، وقائمة المغدورين من المبدعين الشباب ليست بالقصيرة، يضاف لها مع كلِّ جهد في البحث والكتابة اسم جدير بالحضور ومراجعة القليل الذي تبقى من أدبه، وذلك ما تحقق مع صدور كتاب (المزلاج الصديء، قصتان وعشر مقالات في ذكرى غضبان عيسى) عن دار أهوار البغدادية، الذي عمل على استعادة الشاب البصري (غضبان عيسى) بعد أن أودت به آلة السلطة البعثية وهو لم يتجاوز الثلاثين بغير عام واحد (1952ـ 1983)، وكان قد عمل مصوراً جوالاً، وخياطاً، ومقاول ترميم، إلا أن كتابة القصة القصيرة مثلت رهان ابداعه الذي عملت نخبة من الكتاب العراقيين على قراءته من جديد في سبيل استعادة صاحبه عبر ما تبقى من ابداعه، قصتان قصيرتان هما المزلاج الصديء والأقفاص منشورتان في جريدة (المرفأ) البصرية في نيسان 1978 وتموز 1979، فهل تكفي قصتان قصيرتان في الحديث عن صاحبهما، والتعبير عن طموحه في الكتابة وأمله في الحياة؟، السؤال الذي عمل كلٌ من محمد خضيّر، ومحسن الرملي، وياسين النصير، وجميل الشبيبي، ومحمد سهيل أحمد، ومقداد مسعود، ووحيد غانم، ومحمد عبد حسن،  ولؤي حمزة عباس، وحيدر الكعبي، معدّ الكتاب ومحرره، على تأمله والتفكير فيه عبر قراءة القصتين والإنصات من خلالهما لأنفاس كاتبهما بعد ما يقارب الأربعين عاماً على رحيله، وإذا كان غضبان عيسى شتلة ابداعية، كما يعبّر محرّر الكتاب، «حرمتها فأس السلطة العسكرية الفاشية، من فرصة النمو لكي تصبح شجرة وتؤتي ثمارها الناضجة، فإن استذكاره فعل استحضاري، ومساهمة في إعادة كتابة الممحو من تاريخنا القريب»، إن غضبان عيسى الذي انشغل بالخيال وفضاءاته، وحلم عبر مزاولة الكتابة، بمستقبل آمن، لم يكن من سبيل لاستعادته سوى الخيال نفسه، فقراءة قصتيه اليوم تقدّم اضاءة كافية لتبين ملامح الوجه الشاب، والشعور بما يرتسم عليه من أمل وطموح، هكذا يكون بمقدور قصتين قصيرتين نُشرتا قبل اثنين وأربعين عاماً أن تعيدا الحياة لكاتبهما الشاب، وتستعيدانه، عبر إعادة قراءتهما، فتىً جميلاً يحمل كاميرته على ضفة النهر من جديد، بعد أن غيّبته آلة الدكتاتورية العمياء، وتمنحانه القدرة على مواصلة التعبير عما حلم به وما شغله من المخاوف والآمال، وما آمن به من الأفكار حتى النهاية، دفاعاً عن الانسان بوصفه قيمة عليا تتراجع أمامها كلُّ قيمة.