موازاة الأسطورة

ثقافة 2021/11/10
...

 محمد يونس 
 
تشكل خطاب الروائي الألباني اسماعيل قادرية من خلال بنية أسطورية تاريخية متراكبة، إذ جعل التوازي معيارا أساسيا للنشاط السردي، ومنح الواقع السردي ووجود أفعاله المتعددة المضامين السردية قيمة تاريخية من جهة، ومن جهة أخرى أكد في المضامين ملامسة لحس أسطوري، وأنعش ذلك في كيانات الشخوص. فالبنية الأسطورية تنجذب الى أفق السرد مرة، وأخرى تسمو فوقه كنجمة متميزة في سماه، وكذلك البنية التاريخية فقد شكلت ذات البعد والمعطى نفسه. 
وفي رواية – من أعاد دورنتين – قدم لنا قادرية في البنية الظاهرية ثلاث مستويات خطابية متصلة بنيويا، إذ شكلت بنية السرد الأساس المستوى الأول، في ما شكلت بنية الحس الأسطوري المستوى الثاني، وبنية المتن التاريخي كانت هي المستوى الثالث، ومقدرة وقدرة السرد جعلت هناك تلازما بنيويا بين المستويات الثلاث، ومنحت كل مستوى طاقة مضافة من خلال مقاطع الوصف التي أتاح لها النظام السردي التدخل لإنعاش المضامين.
تكونت البنية الظاهرية من حدث يلامس من جهة الحس الأسطوري ومن جهة أخرى يتداخل مع متن التاريخ ليكسب الحكاية ضمانات منطقية، ويجعلها تواجه القارئ كحقيقة لا لبس فيها ولا أشكال يدعم التأويلات الخارجية، إذ ارتبط الحدث بأعراف تاريخية، ومن الجهة المقابلة كانت تلك الاعراف تتنفس من خلال حس اسطوري متباين التوظيف. 
ومحور ذلك الحدث حكائيا تقر أعرافه أن الزوجة في ظروف ملزمة تكون عودتها لبيت العائلة من خلال احد اخوتها، لكن مقتل اخوة دورنتين جميعا، قد اتاح للحس الاسطوري التمظهر في بنية الحدث الروائي، وهنا تجلت مفارقة وقيمة خطابه في المعنى الهائل الذي يتبادر بأذهاننا حول الشخص الذي عادت معه دورنتين، والذي جعله قادرية كطيف يبرق بلا ملامح، ولكن عودة دورنتين تتكئ عليه وتعكس لنا وجوده بصورة ليست 
بيانية. 
ومن ذكاء المؤلف انفتح ذلك الحدث على تفاصيل مضافة ومضامين مستجدة وثيمات طرية، ورغم تصاعد أفق الأحداث دراميا وايديولوجيا، يبقى صدى السؤال يتكرر في كل صفحة من صفحات الرواية.
إن بنية الحدث الواحد بنية أرسطية أفقية يتجه فيها الزمن وينساب حسب المؤشرات التاريخية للبناء، وهذا ما يجعل ما نقرؤه صراحة أشبه بقراءة جريدة الأسبوع الماضي، ونشعر بعدم تواصل ولا انفعال أو تفاعل، فنحن نريد أن نعرف الدرس المستجد للإنسانية، وليس ذات الدرس الذي عاشه أسلافنا، وشكل ما طرح لنا خطاب قادرية من متعة تصاعدية وتفاعل وانهمام كفيلا بجعل وحدة الزمن تنمو بعدة مستويات افقيا وشاقوليا، حتى كانت تلك الرواية النحيفة عالما واسعا وعميقا ايضا، والحكاية لم تقطعها الوحدات السردية بحسب خاطر شخصية المؤلف بل من خلال وعيه وتفاعله الحسي مع شخوصه، وعلى وجه الخصوص شخصية دورنتين المحورية، والتي انجذب اليها المعنى التاريخي لأعراف مجتمعها بتنوع وتعدد مضامين، وكما اتاحت وحدة الزمن الشاقولية للحس الاسطوري من موازاة الحدث الروائي بالطريقة المثيرة للمشاعر والاحاسيس في داخل الرواية وخارجها ايضا، وقد استجابت عتبة الرواية لذلك الحس الاسطوري وصارت هي المثال الاولي لرمزية ذلك الحس.