المطابقة والاختلاف بين كارل ماركس وجاك دريدا

ثقافة 2021/11/14
...

  عبد الغفار العطوي
ما أريد إيضاحه هنا هي الفكرة التي دارت في ذهني وأنا أقرأ مقالة المفكر الجزائري المعاصر الدكتور عمر مهيبيل (التفكير مع دريدا ضد دريدا) التي كتبها في إثر الضجة التي حدثت في أعقاب الاحتفال بفيلسوف التفكيكية الفرنسي الجزائري المولد (من يهود الجزائر في حي الأنيبال) جاك دريدا (1930 - 2004) في ملتقى جاك دريدا في الجزائر، الذي أطلق عليه بالنوستالوجيا المزيفة، وما جاء في مقالة د.مهيبيل ليس طعناً في الرجل، أو تجريحاً في فيلسوف طبقت شهرته الآفاق
إنما هي كانت نقداً للوضع المزري لبعض المتفلسفين في الجزائر، الذين أوصلوا الثقافة عامة والفكر الفلسفي إلى حالة يرثى لها من التبعية والانحطاط في الأخص، هذه المقالة جعلتني أكتب هذه الدراسة تعقيباً على ما ساقه د.مهيبيل، من إن البروبغندا التي دفعت العالم المعاصر في أن يضع جاك دريدا في مستوى من التمجيد لدرجة تشبه القداسة، رغم اعتراف أغلب المهتمين بالفلسفة والفكر العالمي إن دريدا في فلسفته المضطربة، لا يستحق كل هذه الحفاوة، وما يثار حول وعورة فلسفته، وصعوبة فهمها ومن ثم هضمها وتدريسها والاستفادة من طروحات الفيلسوف في تطور الفلسفة ليس مثار جدل فحسب في المحافل الفكرية العالمية، بل فرصة سانحة في إثارة أسئلة عميقة حول فلسفة دريدا الذي قام هو بنقد وتفنيد كل فلسفات العالم، وهاجم معظم الفلاسفة الآخرين، ولم يستطع أو يجرأ أحد على نقد فلسفته، حتى قيل عنها؛ إن فلسفة دريدا من الصعوبة بمكان، كي نفهمها، مع أنها فلسفة وقعت في تيار المباحث اللغوية الجارف الذي شهد القرن العشرون تدفقه، ولحقت الفلسفة مثيلاتها من المعارف في الوقوع في  فضائها، ودارت فلسفة جاك دريدا أيضاً في فلك اكتشافات اللغة، حول الألسنية وإنجازات اللسانيات، وإن التفكيك ونقد المركزيات والاختلاف التي أتى بها هي ليست بجديدة كما يعتقد في حقل المعرفة الفلسفية، وإن الذي حصل هو في الأساس إلتفات دريدا إليها في فلسفته القوية والعسرة في ظل أزمة الفكر الغربي بعد منتصف القرن العشرين، لكن ما أثار حفيظة د.مهيبيل الخطاب النوستالوجي التبشيري الذي كاد أن يجعل من دريدا نبياً مرسلاً في التوجه في هدفه ناحية غاية أخرى غير ما أعد له في الملتقى، فنرى أن ما قام به د.مهيبيل  في وضع  الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا أمام حقيقتين، سنفهم من خلالهما ما هو مفهوم المطابقة وما هو مفهوم الاختلاف؟ بينه وبين كارل ماركس
(1818 - 1883) الفيلسوف الألماني ومؤسس الحركة الشيوعية والاشتراكية، ومن أشهر نقاد الرأسمالية، الذي أراد جاك دريدا في كتابه (أطياف ماركس) رمي الكرة في ملعبه، والهجوم على أضعف نقطة في فكره، الذي يمثل كتاب (رأس المال) الطيف الذي أثاره جاك دريدا، في ذروة الأشكلة في عالم ما بعد ماركس، ولبيان الخطاب التفكيكي الذي مارسه دريدا ضد تراث ماركس، يجب أن نذكر أن الحقيقتين اللتين صبغتا شهرتهما، وقادتا العالم نحو التفكير بهما ضدهما، يتعلقان بإنتمائهما إلى الديانة اليهودية، تلك الديانة التي لا يمكن تجاوزها، وتجاهلها عند معظم الفلاسفة والمفكرين اليهود، التي تحفزهم ناستولوجياً في بناء شخصياتهم في الإيمان العميق الكلي الشمولي، وإلقاء نظرة متفحصة لمجاهل حياة الفيلسوفين قبل انطلاق شهرتهما، نجد أن ملامح فلسفتيهما ما كان لها إلا أن تنحو منحى كليانيا نتيجة الاحساس الناستولوجي العارم الذي يجتاح حياة الفيلسوفين قبل شهرتهما، وبقائهما تحت الأضواء، لا سيما أن عنوان اليهودية في الغرب منذ القرن الثامن عشر مصدر قلق لكل من يفكر في تجاوز منطقة الكراهية التي رسمتها المخيلة الغربية لصورة اليهودي، والحقيقة الثانية التي ارتبطت  بالأولى في شيء من المقصدية ربما، وهي أن شهرة ماركس ودريدا، وشيوع  فلسفتيهما، ما كان لهما أن تتحققا لولا تبني العالم الأنجلوساكسوني لهما، فمن الغريب أن ماركس، ودريدا لم يحظيا باعتراف وقبول لهما ولفلسفتيهما في موطنيهما الأصلي، ألمانيا وفرنسا، ولم يجدا الاصغاء والتعاون، ولما اتجها نحو بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية راجت فلسفة كل منهما، بالرغم من إن ماركس ودريدا كانا قد توقعا ذلك، ودريدا لما تصور إن بقاء ماركس طوال هذا الوقت، مع تصاعد فلسفته في مقابل ذبول واضمحلال بقية الفلسفات التي كادت تخنقها، أحب أن يتم الفصل بين ماركس وفلسفته من جهة، وبين ماركس وتراثه من جهة أخرى، مثلما حدث لكانط ولهيجل، من هنا يمكننا  القول إن مفهوم المطابقة قد وجد له متنفسا، في إلقاء تهمة الكتابة التي تتلبس القناع، مدارية هيمنتها على الفكر الشمولي للعالم منذ أعوام مديدة، على تراث ماركس في كتابه (رأس المال) مطلقاً العنان لأشباح ماركس أن تملأ العالم الغربي، أي أن المطابقة التي وصفها جاك دريدا في كتابه (أطياف ماركس) هي الكتابة التي نادى بها بديلاً عن الكلام، والفكر الغربي مازال يعاني من سكرات موت الإيديولوجيات الكبرى، بينما نجد أن مفهوم الاختلاف تركز في أن ماركس فشل في  القضاء على فلسفة هيجل المثالية، بسبب تشرب الذات الجرمانية لها حد الثمالة، واختلف دريدا في أنه لم يقنط من إعادة عقارب الساعة لعصر ماركس، في صورة أشباح في نقد بياضات (رأس المال) الذي اعتقد دريدا أنه تسبب في خراب عالمنا بتفضيله لرأس المال السياسي على حساب رأسمال الثقافي، لأن الثقافة هي الباقية وهي تتطور والسياسة مادامت إيديولوجيا، فمآلها للزوال؟.