كاتب سياسي

الصفحة الاخيرة 2021/11/16
...

حسن العاني 
 
مع صدور مجلة «الف باء» في ستينيات القرن الماضي، وانا يومها في مرحلة الشباب القريبة من المراهقة، كنت امني النفس واحلم لو تهيأت لي فرصة العمل في هذا المطبوع الذي اثار اعجابي ودفعني الى شراء المجلة بانتظام على الرغم من كوني أعيش تحت خط الفقر، واتحايل على حبيبتي لكي لا نذهب الى مطعم او سينما او مسرح !.
ومضةٌ مذهلة قربتني من حلمي عندما نشرت لي المجلة (قصة) وارفقتها بتخطيط جميل، ثم قصة ثانية ومقالة نقدية،  غير ان هذا كان دون هوسي في الحصول على مقعد دائم في الف باء، بعد ما يقرب من 17 سنة على صدور المجلة، وتحديداً في عام 1986 قمت بزيارة صديقي كامل الشرقي الذي كان يتولى رئاسة تحرير المجلة، وصداقتي معه قديمة ووطيدة، اذ عملنا معاً لسنوات عديدة في إذاعة صوت الجماهير / القسم السياسي (كان رئيساً للقسم وانا معاونه)، في تلك الزيارة عرض علي العمل في المجلة، وانا اتعذر، وبعد الحاحه الشديد (رضخت) ووافقت، مع انني كنت اسمع في اعماقي أصوات اعراس وافراح مدوية، وهكذا قادني الشرقي من يدي وقدمني الى الزملاء في القسم السياسي على انني التوأم الفكري للرفيق (تروتسكي)، قلت له غير مرة [لست كاتباً سياسياً بدليل عدم قدرتي على التمييز بين قارة افريقيا والقارة السوداء!]، ولكن من الصعب ثني رئيس تحرير عن قناعته الخاطئة حتى لو اقسمت له برأسه ورأسك!.
كان القسم السياسي في المجلة يضم الزميل عادل سعد رئيساً، وعضوية الزميل الدكتور بشير العلاق فقط، وبالتحاق الرفيق (تروتسكي) اصبح العدد ثلاثة، يمتلكون غرفة صغيرة في المطبعة اقرب ما تكون الى سجن انفرادي، ولا يوجد فيها سوى كرسيين، احدهما لزعيم القسم، ولا يجوز وظيفياً الاقتراب منه، والآخر من الناحية النظرية للعلاق ولي بالتناوب، اما من الناحية العملية فكان من نصيب الدكتور، ليس لانه من ارث الشعب، فالكرسي كرسي الحكومة، ولا يرث الحكومة الا الحكومة، وانما لكون الرجل – والحق يقال – منهكاً بكتابة الاخبار السياسية، وبالتالي يحتاج الى كرسي، وهكذا خسرت حلمي القديم بالحصول على مقعد، وكنت اصرف وقت الدوام الرسمي بالتدخين والتسكع في ممرات المطبعة، فهل كنت غاضباً او منزعجاً؟.
مضت 6 اشهر شمسية على هذه الحال – هي احلى أيام العمل الصحفي في حياتي – فقد كان رئيس قسمي يقلني بسيارته من بيتي الى المطبعة صباحاً بحكم مواقع سكننا المتقاربة، ويعيدني في الثانية ظهراً، ثم يقلني عصراً (وجبة الدوام المسائي بالنسبة لقسمنا)، وفي التاسعة ليلاً نذهب الى مطعم في المنصور ونتعشى (ضلوع مشوية) – اكلة لذيذة وغريبة على معدتي – ثم يعيدني الى منزلي سالماً معافى، وفي اثناء الأشهر الستة المباركة، زاد وزني 6 كيلوغرامات، وتناولت 66 وجبة ضلوع، ولم يسمح لي الزميل عادل أن ادفع درهماً واحداً من جيبي، كما لم يسمح لي أن اكتب مادة سياسية واحدة، فلماذا انزعج او اغضب؟!.