كان أول خبر مهم وصلني عن انتفاضة آذار 1991م (شعبان 1411هـ) هو مكالمة هاتفيَّة للمجاهد الإنسان والرجل المقدام الشيخ حسن فرج الله (ت: 2007م) حين تحدّث من جنوب إيران، بمعلومات تفصيليَّة عن وقائع خروج الناس من البصرة والعمارة والناصرية والديوانية والنجف الأشرف وكربلاء وغيرها، بنبرته الحماسيَّة وأسلوبه التجييشي العاتب على المعارضة وقادتها، حاثاً لهم التوجّه إلى الميدان مباشرة، بالدخول إلى العراق فوراً وملء الفراغ الذي تركه انهيار السلطة، فضلاً عن توفير الحاجيات الضروريَّة للناس، وسط أزمة معيشيَّة واضحة داخل العراق.
ثمّ جاء الصوت الثاني من الرجل الشجاع المبادر الشيخ محمد باقر الناصري. اتجهتُ من فوري إلى مكتب السيد الشهيد محمد باقر الحكيم في طهران، معنا كوكبة ممتازة من الإعلاميين أذكر من بينهم نجاح محمد علي ومختار الأسدي وزيد الأسدي وحاكم الجنابي وغيرهم. كنتُ أميل للتنسيق مع الشيخ همام حمودي، وهذا ما حصل فعلاً، حيثُ اقترح علينا أنْ نمكثَ في طهران، تحديداً في مكتب السيد الحكيم، لتغطية الحدث، والمشاركة برفد المكتب بالرؤى والاقتراحات، وملء الثغرات المستعجلة وإعداد الملفات الضروريَّة. وقد كان الشيخ حمودي يصرّ على بقاء ثلة من الإعلاميين إلى جوار السيد الحكيم، لأنَّ العمل الإعلامي إذا نجح لا يقل في أهميته عن العمل الجهادي الميداني، إنْ لم يتفوّق عليه، وذلك في مقابل إصرار أبديته وزملاء آخرون، للتوجّه إلى الحدود العراقيَّة ـ الإيرانيَّة لا سيّما في الجنوب، لكي نكون على أهبة الاستعداد للدخول إلى العراق أو المشاركة في أيّ جهد يتطلبه دعم الانتفاضة. قضيتُ ليلتي تلك في بناية قريبة من المكتب، أقلّب الأمور وأراجعها، حين استقرّ رأيي والزميل مختار الأسدي أنْ نتجه إلى جنوب إيران، تحديداً إلى مدينة خرمشهر أو عبادان، لنكون في أقرب نقطة إلى العراق. وهذا ما حصل، في حين قرّر الزميل نجاح محمد علي البقاء في طهران. عندما وصلنا إلى مدينة خرمشهر وعبادان بعد رحلة طويلة وشاقة بالسيارة، كان من السهل لمن يقف على الجانب الإيراني من شط العرب أنْ يلحظ حركة الناس في الجانب العراقي. بمحض وصولنا إلى عبادان أخبرنا شباب فيلق بدر، عن فتح إذاعة عاجلة موجّهة للعراق، تحت اسم: «إذاعة صوت العراق الثائر»، وإن أفضل ما نستطيع أنْ نقدّمه تلك اللحظة، هو المشاركة المباشرة في هذه الإذاعة. ذهبنا إلى بناية في حي معزول من مدينة عبادان هو مقرّ الإذاعة، وبدأنا العمل من فورنا. كان أبو كفاح يجلس على الأرض أمام «مكسر الصوت» والأستوديو عبارة عن غرفة جرداء من أيّ أثاث، كذلك غرفة الأخبار التي تناصفناها أنا والزميل مختار الأسدي. دخل شهر رمضان فنويتُ الإقامة وصمتُ، وكان الجميع يعمل دون انقطاع، ويستريح في المكان نفسه، ويتناول الطعام وينام في البناية ذاتها.
واجهتنا مشكلة أمنية خطيرة، فالحدود مفتوحة، والعناصر المؤيّدة لصدام ليست قليلة في عبادان. أما مشكلة الأخبار، فقد كانت طازجة نأخذها ساعة بساعة من الشباب الذي يدخل للعراق ويعود لنا. كذلك من العسكريين العراقيين الذين فرّوا إلى إيران أو اتخذوها طريقاً وممراً، وفيهم قيادات كبيرة. بقيتُ في الإذاعة لمدة شهر كامل، خفف من وطأة العمل السيد أبو بهاء بخدماته الممتازة، والسيد صدر الدين القبنجي بأخلاقياته العالية، ولا زلتُ أعتقد أنَّ يوميات تلك الإذاعة بحاجة إلى توثيق!