د. محمد فلحي
العراق بلد ثري بإمكانياته البشرية والطبيعية المتنوعة، وكل ما نحتاجه اليوم هو أياد نزيهة تدير تلك الثروات بأمانة وطنية وكفاءة مهنية، ولعل في مقدمة أهداف البرنامج الحكومي، في المجال الاقتصادي، تنشيط القطاع الصناعي الوطني وتحقيق موارد للميزانية العامة تضاف الى الموارد النفطية، وفي هذا السياق نظمت وزارة الصناعة،خلال الأيام الماضية،المعرض السنوي الرابع /صنع في العراق/ الذي يعد تظاهرة اقتصادية الهدف منها عرض منتجات وإمكانيات الشركات الصناعية لإعادة ثقة مؤسسات الدولة والمواطنين بجودة المنتج المحلي ومواصفاته.
الصناعة العراقية من مصادر الثروة غير الناضبة، التي يمكن احياؤها وتطويرها، بعد غياب مؤسف لعبارة "صنع في العراق"..تلك العبارة الجميلة التي كانت تطرز علب وأغلفة الكثير من الصناعات، فيشتريها المواطن مطمئناً إلى نوعياتها و(ماركاتها) التي لا تقل جودة عن الصناعات العالمية، فمن المسؤول عن غياب هذه العبارة من السوق،وكيف اغتيلت الصناعة العراقية ؟
شهد القطاع الصناعي في العراق، منذ نحو ثلاثة عقود، تراجعاً في ظل الحروب والحصار وتخبط القرار السياسي والاقتصادي، الذي من أبرز مظاهره بيع مصانع القطاع العام ،بثمن بخس، خلال الثمانينيات والتسعينيات، إلى رموز النظام الدكتاتوري السابق وأقربائه وحاشيته،بحجة فشل التجربة الاشتراكية،والتحول نحو الرأسمالية!
ثم جاءت سنوات الحصار المريرة،لتدخل الصناعة العراقية في نفق مظلم، نتيجة انهيار العملة وارتفاع الأسعار وفقدان المواد الأولية ومنع استيراد الأجهزة والمعدات الصناعية المتطورة،فضلاً عن هجرة العقول والكفاءات العلمية،وبلغت المأساة قمتها، بعد التغيير عام 2003 في توقف الانتاج الصناعي،بنسبة تصل إلى 90% ،وإعادة بيع المصانع لطبقة جديدة من الطفيليين،وفتح الحدود، دون ضوابط أمام السلع المستوردة، حتى أصبح بلد الرافدين يستورد قناني مياه الشرب من بعض الدول الصحراوية
المجاورة!
العراق يمتلك قاعدة صناعية واسعة، يزيد عمرها عن نصف قرن، تمثلت في مصانع عديدة عملاقة للبتروكيمياويات والاسمنت والزجاج والأدوية والجلود والبلاستك والأغذية المعلبة والنسيج والأجهزة الكهربائية والسيارات والجرارات الزراعية، وما تزال أغلب تلك المصانع صالحة للعمل والإنتاج
، وكل ما ينقصها قرارات وقوانين جريئة لتفعيلها وإنقاذها من السبات، واعتماد كفاءات وطنية ادارية وصناعية متخصصة،وتوفير فرص العمل أمام الأيدي العراقية الشريفة،بلا محسوبية ولا محاصصة،لإنقاذ تلك الثروة المختطفة من براثن الإهمال والفساد وعدم الشعور بالمسؤولية وغياب التخصص
والمهنية!
ينبغي في البداية انطلاق حملة وطنية لإحياء المشاريع الصناعية المتوقفة،وذلك من خلال خطة عاجلة للتنسيق بين وزارات التخطيط والصناعة والتجارة والعمل،حول دعم القطاع الصناعي بخطوات عملية وعلمية مدروسة، ومن ثم تنفيذ قانون التعرفة الكمركية لحماية السلع العراقية من اغراق الأسعار،وتوفير المواد الأولية والبنية التحتية الصناعية وبخاصة الكهرباء، وتنشيط مجالات التدريب والخبرة أمام الصناعيين!
لا بد من عقد مؤتمرات وندوات ولقاءات بين المختصين في القطاع الصناعي، والاستماع لمطالبهم وشكاواهم ومقترحاتهم، ووضع استراتيجية وطنية لمدة خمس سنوات مقبلة، ينبغي أن يكون خلالها العراق قادراً على صنع الكثير من السلع والخدمات المهمة،ولا نقول محاولة الدخول في سوق المنافسة العالمية، فقد أصبح ذلك من الأحلام بعيدة المنال، بعد أن رجعنا إلى الوراء،وفقدنا فرص التقدم، خلال عقود من الحروب والأزمات والإرهاب، في حين يتقدم العالم بسرعة هائلة، ولكن ما زال أمامنا بصيص أمل في الرهان للخيرين والشرفاء والمبدعين،وما أكثرهم في العراق، الذين لا يستسلمون لليأس
أبداً!!