يتناول ألكسندر دل فال، في مؤلفه: «استراتيجيَّة الترهيب» الإرهاب بوصفه حرباً ذهنيَّة ودعائيَّة من خلال الفعل العنيف المثير. وديل فال باحث فرنسي إيطالي في الشأن السياسي ومؤلف لعدة كتب وبحوث عن الديمقراطيات وحروب البلقان والإسلامويَّة وتركيا وسوريا وقضايا الإرهاب. إذا كان الإرهاب، بالمعنى الحربي أو النفسي، فعالا جدا من حيث الدعاية، فذلك للأسف لأنه متجذرٌ بعمقٍ في السايكولوجيَّة البشريَّة، حتى لو بدا ذلك مجافياً للبداهة.
في الواقع، يُظهر التاريخ أنَّ الأقليات المنظمة والعنيفة عرفت دائمًا كيفيَّة التأثير في الأغلبيَّة المسالمة وغير المنظمة وترهيبها والسيطرة عليها.
وسبق للفيلسوف هيغل وجوزيف دي مايستر أنْ كشفا جيدًا أيضًا جبروت العنف كمحركٍ رمزي للتاريخ.
كما تحققت انتصارات كثيرة بفضل وسائل الإرهاب الهادفة إلى صعق العدو الذي روّعته إشاعات الأعمال الوحشيَّة والتهديدات الجهنميَّة.
علاوة على ذلك، فإنَّ فرنسا روبسبير ومارا هي التي اخترعت نظام الإرهاب، الذي نزع الشرعيَّة عن الملكيَّة وقضى عليها.
واستخدمته الأنظمة الشموليَّة الحمراء وغيرها في ذروة سطوتها كنظام حكم وإقناع.
استخدام الهجمات الانتحاريَّة التي شاعت منذ التسعينيات والتي تكمل الموروث الإسلامي السني الذي يقدّر عالياً الجهاد الهجومي والدفاعي.
إنَّ رسالة الإرهابيين المحبين للموت والساعين الى منازلة شاملة، هي رسالة تتمتع بقوة نفسيَّة لا تصدق، وغالبًا ما يتم التقليل من شأنها في بلدان الغربيين المسالمين و«عبيد الحياة»، بحسب تعبير الإرهابيين.
يتعلق الأمر بجعل أذهاننا العقلانيَّة تفهم أنَّ الشخص الذي يحب شن الحرب بدون دروع والذي يركض بخفة نحو اليوم الآخر لقتل عدوه هو المنتصر... هنا نجد المجاز الرمزي الشهير لدى هيجل عن السيد والعبد الذي يعطي الأفضليَّة في النهاية لمن لا يخشى الموت.
يهدف العمل الإرهابي إلى بث الرعب داخل معسكر العدو وإبهار النفوس المتمردة، علماً أنَّ العنف يصعق أو يخلب اللب.
إنَّ عمليات التشويه التي لا تطاق للأجساد واللحوم المقطوعة والأحشاء المنزوعة والمتفجرة (بما في ذلك تلك الخاصة بالإرهابيين أنفسهم)، بالقنابل أو بالأسلحة الحادة القديمة، ترهب وتشل أكثر من أي صورة أخرى.
يصعب على الغربيين تخيل هذه الأشياء أكثر من العنف الافتراضي اليومي لهوليوود والحروب «النظيفة» التي يشنونها خارج أوطانهم في الأرجاء البعيدة.
ونتيجة لذلك، فإنَّ الإرهاب يعيد تقديم مأساة الحرب في البلدان التي لم تعد تعتقد أنها ممكنة داخل أراضيها.
تعيد الجهاديَّة إدخال البشر في الحرب التي سبق للتكنولوجيا العسكريَّة الحديثة أنْ رحّلتها تمامًا خارج أراضيها.
تسعى الحرب النفسيَّة لدى الحركات الإرهابيَّة إلى إضعاف الروح المعنويَّة للخصم وإخضاعه من خلال «التوعد بالأسوا» (أي الترهيب). يهدف هذا التوعد المخيف إلى القضاء في المهد على أي رغبة في المقاومة أو الهجوم المضاد. ومن هذا المنطلق يعرف الإرهابيون الجهاديون كيف يستغلون التغطية الإعلاميَّة المستمرة من أجل الحصول على تأثيرات نفسيَّة فعالة لدعايتهم.
أوضح الباحث الأميركي في شؤون العنف السياسي والتر لاكوير أنَّ «العمل الإرهابي في حد ذاته لا يكاد يمثل شيئاً، بينما الدعاية هي كل شيء.
لكن وسائل الإعلام الباحثة باستمرار عن التنوع والزوايا الجديدة، صارت بمثابة الحلفاء المتقلبين
للإرهابيين.
وسيكون الأخيرون دائمًا مبتكرين للإثارة».
من الواضح أنَّ البحث عن تغطية إعلاميَّة واسعة النطاق للعمل العنيف يتبع استراتيجيَّة عقلانيَّة ومحسوبة. ولا تسعى هذه الاستراتيجيَّة سوى إلى تكييف الأهداف فكرياً وايديولوجياً.
أظهر الباحثون المتخصصون في العنف السياسي أيضًا أنَّ الدعاية المعدية التي حصل عليها الإرهابيون من خلال أفعالهم الهمجيَّة تنسج على منوالها ميكانيكيًا مجموعات أخرى (يحتمل أنْ تكون) إرهابيَّة بحكم ظاهرة مريعة ولكنها بشريَّة وعالميَّة للغاية، وهي ظاهرة التقليد أو المحاكاة.
تشعل الهجمات الإرهابيَّة الفتيل، لكنَّ وسائل الإعلام المتعطشة للإثارة هي التي تفجر القنبلة، بحيث «أنَّ ساحة المعركة الحقيقيَّة للإرهاب تتجسد في أعمدة الصحف وشاشات التليفزيون».
وبفضل وسائل الإعلام، «يتخذ العمل الإرهابي مظهر الدراما المأساويَّة أو العرض
المسرحي».
يسمي والتر لاكوير ظاهرة الترديد والتضخيم من قبل وسائل الإعلام بـ «أثر الصدى».. ويوضح أنَّ «نجاح أي عمليَّة إرهابيَّة يعتمد بنحوٍ شبه كاملٍ على أهميَّة الدعاية التي تحظى بها».
يؤيد هذه الفكرة بروس هوفمان الذي يؤكد أنَّ «الجماعات الإرهابيَّة كافة تتقاسم [...] هذه السمة الخاصة: لا أحد يرتكب أفعالًا بالمصادفة أو من دون سبب.
الكل يحبذ أنْ يحظى أقل أفعاله بأقصى قدرٍ من الدعاية، ويستخدم الترهيب والإكراه لتحقيق أهدافه».
من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي، فإنَّ الهدف من الإرهاب كسلاحٍ هو جعل الخصم يعتقد أنَّه في حال من الضعف المطلق وبالتالي لديه مصلحة في الخضوع تحسباً، وكي يترفق به الإرهابيون مستقبلاً إذا ما ضربوا ضربتهم، أو بدر منه ما يسوؤهم.
نقلاً عن:
https://atlantico.fr/article/rdv/le-terrorisme-islamiste--guerre-psychologique-et-propagande-par-l-action-alexandre-del-valle