الخصوصيَّة الثقافيَّة

آراء 2022/01/25
...

  ميادة سفر
 
لكل بلد من البلدان طابعه الثقافي الخاص به، وتراثه الفكري الذي يميزه عن غيره، إذ تشكل الثقافة أحد العوامل الأساسية التي تميز الأمم والشعوب عن بعضها البعض، نظراً للارتباط الوثيق بين الواقع الذي تعيشه المجتمعات والدول والتراث الحضاري والثقافي الذي تملكه، غير أنّ الإهمال الذي يعتري هذا الجانب من حياة الدول يؤدي بها مع الوقت إلى ضياع الهوية الخاصة التي من المفترض أن تنتمي إليها وتعبر عنها.
على الرغم مما تحمله الثقافة من الخصائص الحضارية والفكرية والموروث الإنساني التي يتميز بها بلد عن آخر، إلا أنّ أياً من الشعوب والبلدان لم يبق وحيداً منزوياً بعيداً عن المحيط الخارجي، بل إنّ الثقافة بشكل عام تأثرت بجملة من المتغيرات من بينها الاتصال بالثقافات الأخرى عبر التواصل مع مجتمعات بثقافات مختلفة تركت كل منها أثرها في الأخرى، وأخذت منها وبادلتها صفات وعادات وقيما كانت كفيلة بإحداث تغير وتبدل في كثير من الجوانب الاجتماعية والفكرية لكل منها، فضلاً عن الأثر الذي تركه التطور العلمي والتكنولوجي من خلال اختراع الطائرات والسيارات والانترنت والكهرباء وغيرها كثير من أمور انعكست فائدتها على أغلب الدول في العالم.
الثقافة حالة متجددة متحركة وليست قالباً جامداً أو صنماً نتوارثه عن الذين سبقونا ونحفظه في متحف التاريخ، بل هي فعل معرفي تراكمي ينمو ويتطور عبر الزمن، وإن كان صحيحاً أن الموروث الثقافي بجميع مكوناته وحوامله إنما ينتقل من جيل إلى آخر إلا أنّ لكل جيل الحق بل من واجبه إضافة قيمة جديدة إلى ذلك الإرث من خلال التطور الذي يحصل في العلوم والمعارف، والنضج الفكري الذي يلقي بظلاله على كثير من القيم والمعتقدات والعادات ويساعد في تطويرها إن لم نقل تغييرها بالكامل، وهذه حالة صحية وتطور سليم إن أراد بلد من البلدان أن ينتقل خطوة للأمام، ويترك بصمته الحضارية في الكون، ويعكس طابعه الثقافي الذي يميزه ويتميز به.
تشكل الثقافة أحد أركان الحضارة والانعكاس الحقيقي لشخصية الأمة التي تميزها عن غيرها، وتبرزها أمام الكون والتاريخ، فضلاً عما تمنحها من قوة تجاه الأمم الأخرى، وتعطيها فرصة للبقاء والاستمرار بما تحتويه من عوامل تسهم في إضفاء شيء بل كثيراً من الخصوصية عليها إن أحسن استخدامها وإبرازها، كاللغة التي يختص بها كل بلد أو شعب، والأفكار والقيم والأخلاق التي يعتنقها، فضلاً عن جوانبها المادية من تطور تقني وعلمي يسهم في إغناء وبناء الحضارة الإنسانية عموما.
ولأنه لا يمكن لأي بلد أن يظهر أمام العالم إلا عبر ثقافة خاصة به، بعيدة عن "النسخ واللصق" الذي يبدو أنه تحول إلى موضة تتناقلها المجتمعات في ما بينها، من الضروري الحفاظ على شيء من الخصوصية التي تحافظ على الهوية، وهذا لا يعني الانكفاء والاختباء في غياهب الماضي والتشبث بما ورثنا إياه أسلافنا، بل بالسعي في ركب التطور وإبراز الجوانب الجمالية والفكرية ذات القيمة العالية، بهذا يمكن لبلد ما أن يرتقي ويستمر.