عبد الحليم الرهيمي
مرة أخرى وأخرى ، تتعالى اصوات شريحة من البصريين بالتعبير عن رغبتها ، أو (التهديد) أحياناً ، بإعلان اقامة إقليم البصرة وفق ما نص عليه دستور 2005 يحدوهم الأمل بأن ذلك – حسب ظنهم – سيكون حلاً لمشاكل وأزمات البصرة وأهلها. لقد سبق هذه المطالبة (الحالية) بالإقليم دعوات مماثلة منذ العام 2006 وقدمت الى الحكومتين الاتحاديتين السابقتين مذكرات رسمية جمع بعضها عدداً من التواقيع المطلوبة ، غير ان ذلك لم يحظ بموافقة هاتين الحكومتين ، مثلما لم يحظ ، حسب اعتقادهما ، برضى وموافقة غالبية أبناء البصرة ، او كتلها السياسية المتنفذة على أقل تقدير. ان المطالبة بإقامة إقليم البصرة هو حق عادل ومشروع ، فضلاً عن كونها دستورية ، لمحافظة البصرة كما لغيرها من المحافظات ، لأن الهدف والغاية من ذلك هو – كما يفترض – تحسين أداء ادارة المحافظة وتقديم الخدمة الحقيقية لهم بنزاهة وكفاءة واخلاص ، لكن هذا يطرح سؤالاً مهماً ومباشراً وهو : هل ستشكل إقامة الإقليم ، اذا ما اعلن أصولياً ، حلاً للمشاكل والأزمات ، التي تعاني منها البصرة وسكانها منذ العام 2003 عام التحرير والتغيير ، حيث تفاقمت المشاكل والازمات التي ورثتها من النظام السابق ؟ ان الجواب على ذلك هو النفي الشديد الذي تدلل عليه وتؤكده المعاناة المريرة للمحافظة وأهلها طيلة السنوات الست عشرة الماضية سواء من إدارتها وعدم أهليتها او من تفشي آفة الفساد بشكل مروع وبطبيعة الحال ، فإن اقامة الإقليم – اذا أعلن – سوف يفاقم المشاكل والازمات بشكل اكبر في ظل بقاء واستمرار البيئة الإدارية والسياسية هي ذاتها التي أوجدت تلك المشاكل والأزمات ، او التي عجزت عن حلها بأقل الاوصاف حدة . وهنا ينبغي القول ، ان القضية الاهم ، بل الاكثر اهمية التي تعني وتهم المحافظة وجميع أهلها والتي يتظاهر ويعتصم ويضحي من أجلها شريحة واسعة من مواطنيها ، هي البحث في أفضل السبل والوسائل التي تساعد في حل الأزمات والمشاكل وتحقيق الإصلاحات الحقيقية سواء بتوفير الخدمات الضرورية : الماء الصالح للشرب والكهرباء ونظام صحي وتعليمي متطور ، وإنهاء او تقليص حجم البطالة وتحقيق نظافة المحافظة ، والمحاربة الجدية والفاعلة لآفة الفساد وانتشار تعاطي وتجارة المخدرات وغير ذلك من المطالب المشروعة والضرورية لابناء المحافظة. لا ريب ان التوجه والسعي لتحقيق تلك المطالب هو اجدى وأهم واكثر واقعية من رفع شعار (فضفاض) غير ممكن تحقيقه ، واذا ما تحقق مع بقاء البيئة الادارية والسياسية السائدة ذاتها، فلن ينتج وضعاً أفضل مما هو عليه الان . ان السعي والعمل المركز على تحقيق تلك المطالب لحل مشاكل وازمات البصرة وتغيير البيئة الادارية والسياسية المنتجة لها يمكن ان تمر ايضاً عبر المطالبة بتغيير بعض فقرات الدستور ومنها مثلاُ ان يكون انتخاب المحافظ مباشرة من المواطنين ، والغاء مجالس المحافظات والاكتفاء بمستشارين للمحافظ : للخدمات والصحة والتعليم والاعمار والثقافة من ذوي الاهلية والاختصاص ، الذين يعينهم مجلس الوزراء ، او يتم انتخابهم بعناوينهم من مواطني المحافظة .
ان تمكن المحافظة واهلها من تحقيق ذلك سيمهد أفضل الظروف الملائمة لإعلان الاقليم لاحقاً ، وان تبني قيادته وادارته على النجاحات التي حققها المحافظ ومستشاريه بعد تغيير البيئة الادارية والسياسية العاجزة وغير المؤهلة ، ببيئة وادارة كفوءة ومخلصة وحازمة تحظى بثقة ابناء المحافظة وتقيم علاقة جيدة وسلسة مع السلطات الاتحادية في
بغداد.