زيارة جديدة للتاريخ

الرياضة 2022/02/07
...

علي رياح

الخيال الإنساني قادر في كثير من الأحيان على التحليق في الأرجاء البعيدة. بعض الأحداث تعيد نفسها في زيارة جديدة للتاريخ (العنوان لكتاب الراحل الكبير محمد حسنين هيكل)، لكنها لا تعود ومعها شخوصها، أو ربما نشهد انقلابا في السيناريو. 
الصحافة العالمية تعيد باستمرار (إنتاج) قصة تعود إلى عام 1937 وكان بطلها سام بارترام حارس فريق تشارلتون الإنكليزي، الذي رفض مغادرة مرماه حين تكاثف الضباب على نحو عجيب في ملعب ستامفورد بريج خلال مواجهة مع تشيلسي.  
للقصة بقية معروفة، وقد جرى نسجها وتناولها في الصحافة العالمية وفقا للتباري الذي شهده خيال الكتاب الرياضيين وغير الرياضيين.. فبعد خمس عشرة دقيقة، اكتشف الحارس بارترام مبلغ الصمت الذي يلف المشهد بعد أن أطلق الحكم صفارة إلغاء ما تبقى من المباراة وأن الجميع غادر الملعب بمن فيهم آلاف المشجعين، بينما كان بارترام يتخيل أن فريقه كان يواصل الضغط على مرمى تشيلسي، ولهذا لم يتعرّض إلى هجمة طوال كل هذا الوقت، ثم حدث أنه لمح شبح شخص قادم نحوه، ولم يكن سوى ضابط الشرطة الذي سأله: ماذا تفعل هنا؟ وكان جواب الحارس أنه يذود عن مرمى فريقه إزاء أي خطر قادم، ليؤكد له الضابط أن زملاءه خذلوه، فلقد ألغيت المباراة وغادروا من دون 
إخطاره.  
على نحو أو آخر، اجترّت الصحافة العالمية هذه القصة طوال عقود من الزمن، حتى أعيد (إنتاجها) أخيرا ولكن على نحو مختلف في مدينة وهران الجزائرية.  
ففي مباراة أقيمت في حي البركي بين فريقي مدينتين، غمر الضباب المشهد وشكـّـلَ عازلا كثيفا بين اللاعبين حتى لو كانت المسافات قريبة بينهم.. وحين مرّت دقائق عديدة لم يتعرض فيها أحد الحارسين إلى أية محاولة هجومية، ظنّ أن المباراة قد ألغيت وأن اللاعبين غادروا الملعب فنزع قفازيه وترك الميدان، لكن ما حصل أن الفريق الغريم شنّ هجمة على المرمى واكتشف اللاعبون أن المرمى بلا حارس فأودعوا الكرة في الشباك بسهولة شديدة وسط حالة من الغضب انتابت الفريق الذي يلعب له الحارس.  
بعد المباراة دخل الجميع في نوبة هيستيرية من الضحك.. فقد علموا أن أحداث مباراة تشارلتون مع تشيلسي قد مرّت في مخيلة الحارس الجزائري فتصور أن التاريخ قد أعاد نفسه، فلم يتردد في ترك مرماه.  
في عام 1981 توفي سام بارترام، وقد أطلقت عليه صحيفة (الأوبزرفر) لقب الحارس الفريد.. كان الرجل صانعا للأحداث الاستثنائية العجيبة التي يتحول بفعلها – في كل مرة – إلى رجل المانشيتات العريضة باللون الأحمر في صحافة ذلك الزمان.. مثلا، في صبيحة يوم زواجه غادر بارترام الحفل والمدعوين وذهب ليخوض مباراة في الدوري أمام ميديلزبره، وساعد فريقه على الفوز بهدف وحيد، ثم عاد مباشرة إلى الحفل ليستقبل ضيوفه ومَدعوّيه بابتسامة عريضة.