أحمد حسين
من المؤسف أن يتحول ما صرح به رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بشأن المخدرات إلى مادة للسخرية والتسقيط السياسي، وكأن الموضوع هو: من أين ينخر جسدنا سرطان المخدرات، من الشرق أم الغرب أم من الداخل، وليس الموضوع هو هذا السرطان بحد ذاته وكيفية الحد من انتشاره في الجسد العراقي ومن ثم استئصاله وما هي السبل والوسائل والآليات والسقوف الزمنية للخلاص من هذا المرض الخبيث؟.
الساخرون تلاقفوا التصريح وكأنه صيد ثمين ليستثمروه أبشع استثمار في سبيل تمرير أجنداتهم في محاولة منهم لتحجيم شعبية الرجل التي بدأت تجد لها أرضية ومساحة بين الطبقات المسحوقة وما دون المتوسطة بعد أن كسر طوق الحديد والنار الذي كان مفروضاً على أكثر من 30 ألف عائلة من موظفي العقود المؤقتة بوزارة الكهرباء، وما زال سر هذا الطوق من الأسرار الغامضة التي لا يفهمها أحد، فوزارة الكهرباء هي الوحيدة التي لم تخصص لها درجات وظيفية منذ عشر سنوات ولا أحد يعرف السبب سوى الراسخون في العملية السياسية، وبطبيعة الحال فإن إنصاف هذا العدد الهائل من العوائل بتثبيت معيليها على الملاك الدائم ومنحهم حقوقهم المشروعة دستورياً وقانونياً وإنسانياً وشرعياً لابد أن يحظى بتعاطي إيجابي مع من أنصفها.
بالإضافة إلى عقود الكهرباء أعلن السيد عبد المهدي مشروع الأراضي السكنية للفقراء وذوي الدخل المحدود والموظفين وكل من لا يملك شبراً في هذا الوطن، على الرغم من أرض الوطن هي ملك الشعب وليس الحكومات، لكن يبدو أن البعض كان يرى غير ذلك على خلاف عبد المهدي، وإذا كان عدد موظفي عقود الكهرباء ما يقارب 33 ألف موظف، فإن عدد العراقيين المحرومين من حق امتلاك مسكن أضعاف هذا العدد، بالتالي نحن هنا نتحدث عن أعداد إن لم تكن مليونية فهي بمئات آلاف.
وعليه، لابد من التربص بهذا الرجل لتصيد كل ما يبدر عنه من قول أو فعل، لكن ما فات المتصدين أمور كثيرة جعلتهم أضحوكة، أبرزها ثلاث ملاحظات يبدو أن اندفاعهم التسقيطي أعماهم عن ملاحظة أنها ضدهم وليست ضد رئيس الوزراء.
أولها: على ما يبدو أن هؤلاء ظنوا أن رئيس الوزراء وقبل أن يعقد مؤتمره الصحفي الأسبوعي لجأ إلى الأنترنت لجمع معلومات عن طرق ومصادر تهريب المخدرات إلى العراق فحصل على معلومات غير دقيقة ربما لأنه لم يستعن بموقع ويكيليكس، حقيقة الأمر مضحك، لقد فات هؤلاء أن عبد المهدي هو القائد العام للقوات المسلحة وهو بحكم منصبه هذا فإن المخابرات واستخبارات الداخلية والدفاع ومكافحة المخدرات وغيرها من الأجهزة الاستخبارية والأمنية والعسكرية ترفع تقارير يومية إلى مكتب القائد العام للقوات المسلحة بأدق التفاصيل، هذا هو السياق المعمول به بشكل عام، أما بشكل خاص فإن التهديدات الأمنية تكون لها خصوصية أكثر أهمية ومتابعة وتركيز من قبل الأجهزة الأمنية وتقاريرها تتميز بالإضافة إلى التفاصيل الدقيقة فهي تتضمن مقترحات عن سبل المعالجات وما يتعلق منها بالجوانب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي طليعة هذه التهديدات الإرهاب والمخدرات، أما الإرهاب فهو حديث العهد في العراق، لكن المخدرات لها حضور مسجل وموثق منذ عقود من الزمن، بالتالي ما يصل للسيد عبد المهدي دقيق وموثق ومعزز بأدلة لا تقتصر فقط على جهد أجهزتنا المختصة بل أيضاً إلى الأجهزة المعنية بمكافحة المخدرات في الدول المجاورة والإقليمية ومختلف دول العالم لأن المخدرات ومنذ ظهورها لم تكن جريمة أو مشكلة أو تهديداً محلياً وإقليمياً بل هي تهديد دولي عابر للحدود والقارات كما هو حال الإرهاب اليوم.
ثانيها: ذهب البعض إلى أن الأرجنتين تبعد عن العراق أكثر من 13 ألف كيلومتر وجعل من هذه المسافة -الافتراضية في عالم المخدرات- مادة للسخرية، لكنه تجاهل أو غفل عن أن المخدرات كانت ومنذ ظهورها لا تحدها حدود وأن أشهر وأخطر عمليات التهريب عبر الحدود دائماً ما تكون للمخدرات، وتجاهل أيضاً أن تجار المخدرات يمتازون بجشع وطموح لا مثيل لهما للتوسع حتى أنهم اشتهروا بأبشع عمليات التصفيات الجسدية الفردية والجماعية لكل من يقف دون توسعهم، كذلك جهلوا وليس تجاهلوا أن الأرجنتين واحدة من أهم معابر مخدر الكوكايين والذي يصنف كأخطر أنواع المخدرات بسبب سرعة الإدمان عليه، ووفقاً للتقارير الصادرة عن الأجهزة والجهات المعنية العراقية فإن المخدرات المنتشرة في العراق تقتصر على الحبوب المخدرة وهي الأوسع انتشاراً وأضيف لها حديثاً مادة الكريستال، والترياق والحشيشة بشكل محدود جداً، أما الهيرويين فهو الأقل انتشاراً لارتفاع سعره، وبالتالي فتجار الكوكايين لا شك أن يغريهم العراق لاختراقه، فما الذي يمنع التسويق إذاً؟.
ثالثها: ذهب البعض من هؤلاء التسقيطيين إلى أن السيد عبد المهدي وجه الأنظار نحو الأرجنتين لتبرئة إيران كمصدر للمخدرات المهربة إلى العراق، والحقيقة هذا التسويق ساذج فلا أحد ينكر أن إيران أحد أبرز البلدان المنتجة والمصدرة للمخدرات وبالأخص الهيرويين، كما أنها أحد أهم معابر المخدرات القادمة من أفغانستان، هذه حقائق موثقة يعرفها الجميع ومن غير المعقول أن يقدم أي إنسان على إنكارها فكيف إذا كان رئيس حكومة وعلى رأس هرم السلطات الأمنية والعسكرية والاستخبارية؟.
إذا ما الذي تبقى لكم لمحاربة هذا الرجل؟. بالنسبة ليّ أتوقع وبالأخص بعد إطلاق السيد عبد المهدي مشروع الإسكان الذي وعد به فسوف يواجه إعصاراً تسقيطياً لم يتعرض له أحداً قبله، لكنني لا أتوقع أن العراقيين سوف يتأثرون بهذه المحاولات، المواطن يريد شيئاً ملموساً وإذا ما لمس الحقيقة فلن يتأثر بنعيق الناعقين.