يدخل العالم موجة كبيرة مقبلة من الابتكارات الطبية والدوائية، وقد بدأت الموجة الاولى مع انتشار استخدام اللقاحات والمضادات الحيوية في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، التي تسببت بانخفاض سريع لمعدل الوفيات في العالم الصناعي.
اما موجة الابتكارات الثانية حدثت مع تقديم العقاقير المخفضة للكوليسترول وعلاجات الايدز وتحسين ادوية العلاج الكيمياوي في تسعينيات القرن الماضي.
ولنكن واضحين ان هذا التحسن المنتظم في الحقول المعمول بها بعلم العقاقير ساعد في توسيع ادراكنا وتقديم علاجات اكثر فاعلية للمرضى الذين يعانون من امراض مختلفة، وبالتأكيد ما يزال التحسّن التدريجي المنتظم والهادف ايجابيا.
وبعد كل شيء اذا كان العلاج يساعد على إطالة عمر المريض لستة أشهر إضافية أكثر مما لو لم يتلق العلاج، فستبقى هذه الأشهر الستة ذات أهمية.
ومع أن البعض كان قد انتقد فترة التحسن التدريجي فهو دليل على تعطل شيء ما في حقل الادوية الطبية.
علاجات مبتكرة
يكتب أحدهم تحليلا يصف (أزمة الابتكار) في الصناعة بسبب الانخفاض الشهري لكمية ما يطلق عليها الادوية المبتكرة، في الحقيقة أن هؤلاء الذين يميلون الى نظريات التآمر يتمسكون بأن هناك حافزا عكسيا لعلاج الأمراض أكثر من شفائها، وذلك لأن العلاجات أكثر ربحا.
اما الحقيقة أبسط من ذلك فالعلم وتطور العلاجات والعقاقير الجديدة يحتاج الى وقت، والسبب على ما يبدو أننا علقنا في فترة التقدم التدريجي لأن أغلب حقول الابتكارات الجديدة الواعدة هي في طور النشوء، ولحسن الحظ يبدو أن هذا بدأ يتغير.
لقد اظهر العامان الماضيان علامات للتقدم المذهل في حقل العلاج الجيني، ولدينا جميع الاسباب التي تجعلنا نؤمن بأننا على أعتاب بداية موجة ثالثة من الابتكارات الطبية.
وسيكون هناك في المدونة الصوتية Newt’s World حديث مع اطباء عملوا منذ ثمانينيات القرن الماضي على اساليب علاج الجينات غير الصحية، وتكللت جهودهم بابتكار عقار Luxturna الذي يصحح ويعكس اضطرابا وراثيا نادرا يؤدي الى الاصابة بالعمى الطفولي.
وجاء في المدونة الصوتية ايضا كلام لمريض شاب يُدعى كريستيان الذي وصف فيه كيف كان شعوره عندما رأى القمر للمرة الاولى في حياته بعد تلقيه العلاج.
وقد كُتب بتعمق اكثر عن جهود هؤلاء الاطباء، وذِكر هذا الجهد مرة اخرى لانه يمثل نقطة الانطلاق لمجموعة من العلاجات المحتملة التي يجري تطويرها.
كما سبق ان استخدم اساليب مشابهة لاختبار علاج الضمور البقعي واسمه الاكثر شيوعا الاضطراب الوراثي الذي يسبب العمى، ومرض فقر الدم المنجلي الذي يسبب الألم والعدوى المتكررة وفقر الدم.
اما مجال العلاج والطب الجيني سيتوسع قريبا ليعالج ويشفي العديد من الامراض المضعفة الموجودة في الوقت الراهن.
فضلا عن أننا قد شهدنا تطور العلاج المذهل لمرض السرطان والذي من المحتمل أن يقلب تماما الأنموذج المعتمد على العلاج الكيمائي، الذي استخدم خلال الثلاثين سنة الماضية.
إنّ دمج علاجات مُستقبِل المستضّد الكيميائي للخلية T الذي يعرف بـ (CAR-T) مع العلاج الجيني وغيرها من العلاجات مكّن الجهاز المناعي للمريض من الهجوم والقضاء على الخلايا السرطانية، وكانت العلاجات الاولية المعتمدة مثل العلاج الجيني هي لفئة صغيرة نسبيا من المرضى، لكن الأنموذج الجديد المُقدم يمكن استخدامه لأنواع سرطانية أكثر شيوعا.
وعلى الرغم من حقيقة أن هذه العلاجات الجديدة مُكلفة حاليا، الا انه كلما ازدادت الشركات الدوائية بتسليم صناعاتها الدوائية للعلاجات الجينية و(CAR-T) ستنخفض الاسعار، وهذه الظاهرة معروفة وموثقة جيدا في الصناعة.
تكلفة باهظة
ويعد العلاج المطور حديثا لمرض التهاب الكبد الفيروسي نوع C اول علاج طُرح في الاسواق يمكنه شفاء اغلب مرضى هذا الفيروس المرعب وبلغت تكلفته 94.000 دولار، لكن بعد ثلاث سنوات عندما طورت الكثير من الشركات العقاقير بالاعتماد على المادة العلمية الاساسية للعلاج الاول انخفضت تكلفة هذا العلاج الشافي الى 26.400 دولار، وعلى ما يبدو ان سعره سيستمر بالانخفاض مع توسع التنافس في السوق.
وتتوقع منظمة الدواء والغذاء FDA نموا هائلا في المجال الطبي الجيني، وأوضحت أنّها تستعد لاستعمال ما يقرب من 200 علاج جيني سنويا بحلول العام 2020.
ومع توسع المنافسة وتوفر أكثر للمعلومات لشركات أكثر فإن الأسعار ستهبط بسرعة، والتركيز على هذا الموضوع جاء لسببين، اولهما قصص الأطباء والمرضى الملهمة، فكفاح الاطباء الطويل على مدى عقود لاخراج العلاج الجيني من النظرية الى التطبيق هو تعبير عن العزم الثابت، فضلا عن استعداد المريض للتطوع لاختبار علاجات تصب في مصلحة الانسانية يمثل أنموذجا للشجاعة.
اما السبب الثاني مع ان الدولة تناقش الكيفية لجعل اسعار الادوية معقولة بالنسبة للمرضى، فمن المهم ان نضع بالحسبان بان الاصلاح ينبغي ان لا يكون على حساب الابتكار، والا سيكون الامر مأساويا اذا سمحنا بسوء توجيه للمخططات الحكومية الكبيرة مثل توفير المساعدة الطبية للجميع، او ضوابط الاسعار التي تفرضها الحكومة توقِف الابتكار في مساراته، كما هو متبع في البلدان الاخرى التي تدير الحكومة فيها برامج العناية الصحية.
والسؤال الذي ينبغي علينا البحث عن اجابته خلال الـ 18 شهرا المقبلة هو كيف نُسرع التقدم مع توسيع الوصول؟، لذا يجب على صُناع القرار أن يبحثوا عن حلولٍ بحيث لا نضحي بواحدة على حساب الأخرى.