(الزوية.. كلواذى البابليَّة ذات الخضرة الدائمة والتراث البديع ) ترتبط مع الكرخ بثلاثة جسور

فلكلور 2022/02/22
...

تعد محلة الزوية جزءا من الكرادة الشرقية، الا أنها تمتلك تاريخها وجمالها ومكانتها الخاصة ضمن الأزمنة، لا سيما أن لها امتدادات اكبر من غيرها من محلات الكرادة، شكلت هذا الشكل المميز لها الذي جعل اغلب ازقتها تنعم بالهدوء والاسترخاء والخضرة الدائمة، حيث الاشجار التي تمثل علامة فارقة، ولا بد أن تبتسم للمشاهد الجميلة، سواء كنت راجلا او راكبا وانت تقطع المسافة، 
 
 عبد الجبار العتابي
 فثمة دهشة وتفرد ما بين قديم وحديث في ارجائها، ما بين أزقة عريضة ودرابين ضيقة، وبين مطاعم وكافتريات حديثة بـ(اتيكيت) راقٍ، تجد هناك مطاعم صغيرة وكبيرة ومقاهي شعبية مثلها ومظاهر شوي السمك على الجمر بمناقل مدورة كبيرة على الهواء الطلق، وروادها على الرصيف يتناولون طعامهم، مثل ذلك باعة الشاي وحيث زبائنهم ما بين واقفين بالقرب من الكشك الصغير او جالسين على مقاعد معدة لهذا الغرض، قد تشعر بروحية بغدادية تتفتق من بين المشاهد، وربما لا يهمك منظر المحال التجارية الكبيرة. 
 
استذكارات
 يهمني أن أمشي في شارع الكرادة داخل الذي شق في أوائل عام 1930، وأعرف أنه كان ينتهي عند موقع يسمى دربونة العويرة وموقعها حاليا الساحة، التي تتفرع منها الشوارع امام فندق بابل الحالي، ويهمني أن امر من تحت نفق الجسر المعلق واعاينه من الجهتين، وأحاول أن أتطلع اليه بما تسعفني نظراتي، لا سيما أنه غير متاح تماما بوجه العابرين من الجهتين، تتحكم فيه الظروف والاجتهادات، وأراه يشهق رافعا عناءاته وجمالياته عاليا ليراه كل من يمر من تلك الامكنة، وهناك استذكر ظرائف ما يذكر أن نفق الزوية شكل في افتتاحه ستينيات القرن الماضي ظاهرة، أدت الى الكثير من الحوادث الغبية المتكررة بسبب علوه المنخفض ودخول السيارات العالية، ومنها الباص بالطابقين.. وكالعادة لغياب علامات التحذير.
 وحين أنظر الى المكان الذي كانت فيه مقهى (حسين الحمد) الذي تحول الى محل تجاري لبيع المواد الغذائية، أراني استذكر حارس مرمى العراق في الستينيات (لطيف شندل) الذي كان يعمل فيها (عامل بسيط/ جايجي) اراه وقد استبدل مجد الذود عن المرمى وصد الكرات بحمل ونقل (استكانات الشاي) من طرف الى اخر، رأيته وجلست معه وتحدثنا وحزنت لخاتمته، بينما كان زميله اللاعب قاسم محمود الشهير بـ (قاسم زوية) الذي سجل اول هدف عراقي في ملعب الشعب الدولي يوم افتتاحه عام 1966 ضد نادي بنفيكا البرتغالي، نجم المحلة الذي يستحق أن يكون له تمثال فيها، كما يهمني استذكار فيضان عام 1950، حيث غرقت الزوية والجادرية يومها وخرب ما خرب من بيوت الناس والبساتين.
 
اسم من الزاوية
 تمتد محلة الزوية ، التي تحمل رقم 909 حسب تصنيف امانة بغداد، من شارع السيد إدريس (عليه السلام) الى نهاية التواء نهر دجلة مرورا بالجادرية، اي الى نهاية جامعة بغداد، وهناك رأيان في اصل تسميتها بهذا الاسم الشعبي (الزوية) المأخوذ من كلمة (زاوية)، فالرأي الاول يقول إن التسمية جاءت لوقوعها في منطقة تشبه الزاوية عند ابعد بقعة من التواء النهر، بينما الرأي الثاني يقول إنها التسمية جاءت من مكان يسمى (زاوية السيد خلف)، حيث إن معنى (الزاوية) هي عبارة عن تكية تمارس فيها الطقوس الدينية لصاحبها السيد خلف، الذي يتناقل اهل الكرادتين (الشرقية ومريم) عنه اسطورة شائعة عند عامة الناس مفادها بأن الحائط (او الطوفة او الجدار) قد مشى عندما كان السيد خلف جالسا عليه، كما يذكر ذلك أ.د.عباس فاضل السعدي في كتابه (الكرادة الشرقية دراسة جغرافية ـ تاريخية - تراثية)، ويقول الكاتب حسن العلوي (كانت تسمى زاوية السيد خلف، جدي لأبي، ثم حذف المضاف إليه بمرور الزمن، كما هي العادة عند العرب، وقد أعطت هذه المحلة ما يقرب من ثلاثمئة رجل وامرأة من الضحايا في عهد نظام صدام). 
 
الشطاويون
 ويصف الدكتور عماد عبد السلام رؤوف الزوية بانها (منطقة واسعة، تشغلها اليوم محلات وشوارع عديدة، واسمها لغة عامية في (الزاوية) نسبة الى شكل نهر دجلة المنساب حولها على هيئة زاوية هندسية، وقد ورد هذا الاسم في وقفية مؤرخة في سنة 1319 هـ/ 1901 م، وكانت تعرف ايضا بالشطاويين، نسبة الى جماعة من حديثة الفرات هاجروا اليها، وكانوا يعرفون بهذا الاسم نظرا لسكناهم في القسم الشطاني المحاذي لشط الفرات هناك (نقلا عن المؤرخ الكرادي شاكر جابر).
 
قبر السيد ادريس
 واضاف: ومما يشير الى قدم الاستيطان البشري في هذه المنطقة وجود عددٍ من التلال الاثرية فيهما، اهمها (ايشان عبد) الواقع قرب ساحة الحرية، وقد عثر فيه على آجر بابلي عليه ختم الملك نبوخذ نصر، ومن معالم المنطقة قبر السيد ادريس الذي توصل بعض الباحثين الى انه السيد نقيب الاشراف ادريس بن جماز بن نعمة الله المتوفى 
سنة 948 هـ / 1541 م (حسب شاكر جابر )، وكان يعد بير (ولي ، حامي) صنف الخياطين في بغداد في العصر العثماني، وله وقت معلوم يزورونه فيه باحتفال خاص، واليوم هو مزار كثير من الناس، وفي الموقع المقابل لهذا القبر جرى تشييد اول كلية عسكرية عراقية، وقد ازيلت بعد غرق المنطقة بفيضان 
سنة 1950.
 
كلواذى البابليَّة
 وأنت تقف في محلة (الزوية)، لا بدَّ أن تعرف أنك تقف في الموقع الذي بنيت فيه (قرية كلواذى)، التي بناها الكلدانيون البابليون بعد سقوط بابل بين القرن الخامس والرابع قبل الميلاد، وأن تغمض عينيك لتمر من وجهك العصور المختلفة، وتنظر الى وجه الأرض وتتراءى لك الاقدام التي سارت عليها والسحنات التي مرت منها، وربما تسمع الاصوات باللهجات واللغات او تسمع  اغنيات الشجن البابلي القديم، فأنت في كلواذى الجميلة التي على الرغم من الاختلاف في موقعها، الا أن الدكتورين مصطفى جواد واحمد سوسة 
يرجحان، في دليل خارطة بغداد، أن موضعها في تلول الزوية المعروفة اليوم باسم (أشن حاج عبد) أي تلول حاج عبد، والدكتور احمد سوسة يضع موقعها في معظم كتبه وأطالسه عند تلول حاج عبد (الليشان)، إن كان في كتابه (ري سامراء في عهد الخلافة العباسية)، وضع موقعها في منطقة المسبح الحالية، كما جاء في مجلة العراق الجديد أن قرية كلواذا تقع على وجه التحقيق في تلول حاج عبد وهي تعرف عند أهل الكرادة باسم الليشان وتحرف احيانا فتنطق النيشان وهي تقع في منطقة (السبع قصور) عند ساحة الحرية، وقد زالت هذه التلول من الوجود بصورة نهائية 
قبل سنين.
 
أزقة ودرابين
 وتشتهر محلة الزوية بالعديد من الازقة المعروفة، التي ما زال البعض يذكرها في احاديثه اليومية ومنها ما ذكره د.عباس فاضل السعدي مثل زقاق كان يعرف بدربونة (العويرة، قال المؤلف إنها سميت كذلك، نسبة الى امرأة عوراء كانت معروفة بهذا الاسم منذ اواخر العهد العثماني ولها دار في الزقاق المذكور وعمت تسميتها لتشمل موضع ساحة قرب فندق بابل فسميت سابقا بساحة العويرة، كما كان يوجد زقاق يحمل اسم (دربونة السعد)، وهو الآن يقابل مدرسة الوحدة العربية الابتدائية للبنات (الشيخ عارف البصري حاليا)، ومن الازقة الأخرى دربونة النهر وشارع الوزير محمد حسن آل كبة، والذي كان اصلا نهرا حفره السيد علي العباس الراشد وبعد انطمار النهر سمي الطريق (دربونة النهر)، وبعد أن سكن المرحوم الحاج محمد حسن كبة احد وزراء العهد الملكي في قصر اشتراه من أحد الأتراك موقع القصر في رأس الطريق المذكورة، فسمي الطريق شارع الوزير، ولكن هناك حاليا لافتة تشير الى اسم (شارع الوزراء) وكذلك دربونة الجامع، وبعد تشييد الجسر المعلق في هذا المكان سنة 1964 شاعت تسمية هذا الجسر عليها. 
وهو الذي كان يسمى بـ (جسر الملك) حيث قامت الحكومة العراقية، قبيل الحرب العالمية الثانية، بنقل جسر الملك علي من شريعة النفط المواجهة لمحلة السنك الى منطقة (حسين الحمد) بالزوية، ووضعت معداته وآلاته في المنطقة لغرض تشييده، غير أنها لم تنفذ العمل، وفي أثناء الحرب المذكورة قام الإنكليز بتشييد جسر مؤقت في المكان نفسه لنقل القوات البريطانية والمعدات الحربية من جهة الكرادة الشرقية الى معسكرات الإنكليز في كرادة مريم. رفعوه بانتهاء الحرب العالمية الثانية. 
وبقيت آثاره حتى المباشرة بإنشاء الجسر المعلق الذي حل محله، والذي يعد الأول من نوعه في العراق، اما أهم الجوامع والحسينيات في المنطقة فهي حسينية الزوية وحسينية الحاجة سعدة وجامع الزوية في 
شارع الوزير.