خـذوهـم بـالـصــوت!

الرياضة 2022/03/06
...

علي رياح

 فكرة أن تنتقل جينات الإبداع في الرياضة، وتحديدا كرة القدم، من ميدان اللعب إلى كواليس التدريب، كانت المحور الذي دار حوله الاستطلاع الطريف الممتع الذي أجرته صحيفة (ديلي إكسبريس) البريطانية، واضطرت الشخصيات الكروية التي اشتركت فيه إلى الخوض في مساحة واسعة من وصف الشخوص التدريبية التي تعمل في الساحة الأوروبية الآن وتؤثر فيها، وتستحوذ على الاهتمام، الإيجابي والسلبي منه على حد سواء.  
الاستطلاع يمرّ بالذات على الملامح الشخصية التي تظهر على المدرب حين يقف في المنطقة الفنية ليقود ويراقب ويستطلع ويحاول التأثير في أداء فريقه.. وهنا كان جانب يسير من الحصيلة، الألماني يورغن كلوب دائم الوقوف، غالبا ما يظهر ضاحكا أو مبتسما، وهو بالغ التأثير في ليفربول، بينما يخلص الاستطلاع إلى أن مواطنه رالف رانجنيك يظهر كالقديس في المنطقة الفنية فيه صمت (أبو الهول) والرجل عملي وطبعه الهدوء حتى لو كان يغلي من الداخل.  
الإسباني غوارديولا واقعي وموضوعي ولفرط فهمه لما يجري هو يحاول أن يشارك اللاعبين المباراة، ونصل إلى الأرجنتيني دييغو سيميوني مدرب اتلتيكو مدريد الذي لا يفارق المنطقة الفنية وهو دائم الصراخ والتوجيه، واللافت تماما في أسلوبه أنه كثير الكلام مع الحكم الرابع ودائم اللوم للحكم الرئيس معتبرا إياه سببا في الكوارث التي تحصل لفريقه.  
يستعرض الاستطلاع نماذج تدريبية أوروبية كثيرة لم أختر إلا القليل منها، لكنني أريد التوقف عند نموذج سيميوني الذي تصفه الصحيفة بهذا الوصف، فالواضح أنه يؤمن بنظرية (خذوهم بالصوت) بقصد جذب انتباه الحكم إليه ومحاولة التأثير في قراراته بكم كبير من الحركات التي يظهر فيها مثل المايسترو الذي يتمايل أمام الأوركسترا تعبيرا عن الغضب لا عن التماهي أو النشوة أو الانسجام.  حين انتهيت من التجوال في هذا الاستطلاع الممتع، كان لا بدّ من أن انتقل فورا إلى ملاعبنا العراقية لكي استعرض وجوها تدريبية تظهر في المنطقة الفنية المخصصة لها بملامح متباينة حد التناقض.. قليل منهم يتـّسم بالهدوء الحقيقي غير المصطنع، ومعظمهم يستحق لقب (الساخط) دوما على كل شيء.. على لاعبيه، وعلى طاقم التحكيم، وعلى الفريق الغريم، وحتى على نفسه.  
المنطقة الفنية لا تخفي شيئا من هذا، حتى العروق النافرة من أعناق بعض المدربين صارت سمة دائمة للإيحاء بتفاعلهم مع مجريات المباراة، في حين تظهر (معالجاتهم) أنهم في منتهى الفقر لا يملكون القدرة على إدارة دفة المباراة.. كل ما في وسعهم أنهم يطلقون العنان لصيحاتهم، مع التلويح المستمر بأديهم، في رسالة إلى الجمهور في المدرجات أو عبر الشاشة بأن اللاعبين عاجزون عن تنفيذ ما يطلب منهم.  
ما نحن فيه اليوم من ملامح التدريب في العراق، أن نظرية (خذوهم بالصوت) صارت لازمة وميزة، وقريبا ستكون ظاهرة.. كثير من مدربينا ينسي أصل المهنة ويتوهّم بأن الفوز صار مكتوبا للمدرب الأعلى صوتا!.