يمثل التحول الذي جرى في العراق عام ٢٠٠٣، انعطافا جوهريا وجذريا في مختلف المجالات سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو قيمية، لأسباب معروفة وواضحة لكل متابع.
من حكم الرجل الواحد والسلطة المطلقة الى الحرية المنفلتة والسلطات المتعددة، ومن اقتصاد اشتراكي تدير الدولة كل مفاصله إلى اقتصاد بلاهوية واضحة، ومن مجتمع منغلق على نفسه محكوم بقيم متوارثة إلى انفتاح كامل بلا أي محدد وعلى كل المستويات.
هذا الحال ولد رد فعل كبيرا داخليا واقليميا ودوليا، وأوجد رد الفعل هذا تحديات حقيقية أمام الحكومات المتوالية، التي افتقرت هي الأخرى للقدرة على إدارة الدولة لأسباب منطقية أهمها عدم تصدي رجال دولة حقيقيين للإدارة، حيث تولاها ساسة لم يمارسوها إلا بعقلية معارضة اعتمدت رد الفعل في مواقفها وحساباتها.. فرجل الدولة أما أن يكون رجل أعمال أو عضوا في حزب سياسي فاعل أو تصنعه الدولة، وهذا ما لم يتوفر في من تصدوا لقيادة الدولة لغاية عام ٢٠١٨.
اليوم يتصدى لقيادة الدولة رجال ذوو تاريخ تجربة، يمكن معه وصفهم برجال دولة ونعني بهم رئيسي الوزراء والجمهورية.. فكلاهما مارس العمل السياسي والحكومي، ويمتلكان إرثا سياسيا خاصة رئيس الوزراء الذي ينتمي لأسرة لها تاريخ نضالي وسياسي كبير فوالده كان وزيرا في ثلاثينيات القرن المنصرم.
أمام هذا الواقع الجديد نلحظ أن هناك خطوات مهمة وفاعلة وإن لم يتلمسها المواطن البسيط لحد الأن، فعلى المستوى الخارجي هناك انفتاح دولي وإقليمي لم نشهده سابقا، وهناك وضوح في الحديث مع أمريكا وتحالفها بما لهم وما عليهم وتحديد للعلاقة المشتركة وهذا شمل جوار العراقي العربي والإقليمي.
على المستوى الداخلي هناك قرارات ستراتيجية تبعث الأمل في المستقبل على مستوى الخدمات ومكافحة الفساد، وتوفير السكن وتحسين المستوى المعيشي للمواطن.. نعم مازالت مظاهر تحديات كبيرة واجهت الحكومات السابقة، كالقضاء على الجماعات الإرهابية واستعادة هيبة الدولة، والتخلص من بقايا النكسة العسكرية والاقتصادية التي شكلت تركة ثقيلة.
المهام والتحديات التي يتوجب على الحكومة الحالية معالجتها تمثل تراكمات، سبقت عام ٢٠٠٣ وتضاعفت بعده، وتشمل توفير الأمن ومكافحة الفساد وإعادة الملامح العمرانية لبغداد وربط أوصال العاصمة ببعضها، وملف الكهرباء الذي سيمثل اختبارا حقيقيا هذا الصيف، بالاضافة إلى مكافحة البطالة وحل مشكلة المصاريف التشغيلية، التي تضخمت بشكل كبير حتى أصبحت معضلة تتطلب حلولا جذرية، بالإضافة إلى إعادة الحياة للصناعة العراقية، وحل مشكلة السكن والعشوائيات، وتدهور القطاع التعليمي والواقع الصحي والخدمي.
تلك المشاكل وإن كانت كبيرة لكن هناك خططا وضعتها الحكومة الحالية للتخفيف منها إن لم يكن حلها بشكل جذري، ورغم الخطوات البطيئة بسبب الأزمة المالية والديون التي يجب على العراق تسديدها وفق جداول محددة، إلا أن جزءا من تلك الأزمات تم تداركه، وما تبقى في طريقه للحل.
الصراع السياسي هو الآخر يلقي بظلاله على تلك الازمات، والمواطن يبحث عن حلول سريعة لأن السنوات الماضية قد استنزفت قدراته ما بين إرهاب وبطالة وعوز، إلا أن الإصرار على توفير أبسط مقومات الحياة للمواطن العراقي، ومحاولة كسب رهان نجاح الحكومة الأخيرة هو الدافع لإتمام تلك الخطوات التي أمامها فرص واضحة لتكتمل خدمة لهذا الشعب الذي مازال ينتظر الكثير.
هذا الواقع يدفع المتابع المخلص الى التمييز بين عراق ٢٠١٨ وماسبقها وبين عراق ٢٠١٩ وما يتلوها، والتوقف عن زرع اليأس والتأييس في نفس المواطن، وهذه مسؤولية الإعلام الوطني والصحافة الواعية التي تسعى لأن تحتل موقعها كسلطة ضمن السلطات.
اما الاستمرار على نهج الماضي في إبراز أي سلبية وتأليب المواطن ضد أي خطوة، فهو جزء من مؤامرة ضد هذا البلد ومستقبل ابنائه، والإعلامي الذي لا يزرع الأمل مهما كانت الظروف هو بوق مأجور معادي يفتقر لابسط مقومات الوطنية ولايستحق أن ينتمي لأي سلطة في البلد.