وهم التفوق العرقي

اسرة ومجتمع 2022/03/26
...

قاسم موزان
احتفل العالم قبل أيام بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري، تعبيراً عن شجبه لما يسمى بـ «التفوق العرقي»، وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في خطابها، أن البشر يولدون أحراراً ولهم حقوقهم المشروعة في حياة كريمة ويمتلكون القدرة على المساهمة في بناء مجتمعاتهم، مشيرة إلى زيف التسميات العنصرية التي تسهم في زعزعة الثقة المتبادلة وإرباك الوضع العام، إذا ما تسيّد التعصب الواجهة الإنسانية.
لا شك أن العلاقات في المجتمعات الإنسانية المتحضرة التي تجاوزت أزماتها الداخلية واستفادت من التجارب السابقة، تقوم على أساس احترام الآخر المختلف مهما كان عرقه البشري أو لونه أو جنسه، فضلاً عن عقائده، وخلاف ذلك يعني أن هناك خللاً في التوازن المجتمعي والسلم الأهلي المهدد بالانفجار حين تظهر بوادر الصراعات الأثنية والعرقية، والتاريخ حافل بمشاهد مرعبة من الاقتتال المرير بين الأعراق المتنازعة منذ النشأة الأولى للتكوين البشري، وقد يصل النزاع العرقي والشوفيني إلى الإبادة الجماعية «الجينو سايد»
أكثر العنف العرقي ناجم من خطابات الأحقاد المسبقة والمتوارثة وتحركها من مكامنها المدفونة لأغراضٍ أغلبها سياسية، لأجل احتكار السلطة والقوة من دون النظر إلى الوجود الإنساني وكينونته وما يمكن أن يحققه من إنجازات إذا ما توفرت الظروف الموضوعية للإبداع، بعيداً عن الإلغاء والإقصاء.
ولعل هذه الممارسات غير الحضارية تبرز في بيئات متباينة وناجمة عن سلوكيات غير سوية من تراكمات نفسية جمعية حادة في الدلالة والتعبير وتصدير الحقد والامتهان والاحتقار غير المبرر والتحريض على العنف اللفظي والإيذاء الجسدي بغية الإمعان في الإذلال على نحو لا تعمل فيه وفقاً لمنظومة قيمية وأخلاقية تسمو على الخلافات الضيقة بمفاهيم تتوافق مع اشتراطات روح العصر ومتغيراته المتسارعة واستيعاب الآخر المختلف، إلى جانب هذا فمن المتوقع في عتمة الإذلال أن يكون الصراع متبادلاً بين الطرفين ويزداد العنف حدة إذا ما تدخلت جهات خارجية تغذي الخلافات لأغراض تخدم مصالحها في استمرار النزاعات مهما كانت النتائج كارثية ومدمرة للجانبين المتصادمين، فالحروب عامل منتج للكراهية والأحقاد الدفينة. 
على الرغم من النوايا السليمة للقرار الأممي الداعم لمناهضة التمييز العنصري والدعوات الصادقة للبلدان لبلورة علاقات إنسانية إيجابية ومنصفة داخل مجتمعاتها، إلا أن انتهاكات حقوق الإنسان تظهر بأبشع صورها في دول تدعي المدنية والتحضر، وما زالت الأمنيات قائمة في إزاحة متبنيات الشوفينية العقيمة، فالعالم يستوعب جميع الأجناس وألا تبقى التواقيع على الاتفاقية حبراً على ورق.