من جودة المصنوع إلى آليَّة التسويق

اقتصادية 2019/03/22
...

وليد خالد الزيدي 
تسعى العديد من مؤسسات الدولة وبعض منافذ القطاع الخاص الإنتاجيَّة إلى إحداث قفزة نوعيَّة في إعادة منتجاتها إلى الواجهة والدخول في المنافسة التجاريَّة، بعد أنْ شهدت ضعفاً ملحوظاً قبل العام 2003 وما بعده بسنوات بسبب العقوبات والأحداث العسكريَّة، وتوقف الكثير من آليات الإنتاج الوطني في المجالات 
الصناعيَّة. 
أما الآن فقد انبرت الكثير من مصانع الدولة إلى تفعيل أغلب مشاريعها في تصنيع أنواعٍ عديدة من سلع الأثاث والمواد الكهربائيَّة والمنزليَّة والغذائيَّة والإنشائيَّة والألبسة ومصنوعات 
أخرى.
نحن نعلم أنَّ طموح القائمين على القطاع الاقتصادي المحلي لا يقف عند هذا الحد، إلا أنَّ ما نراه اليوم من استنهاض وإجراءات عمليَّة لا يمكن إغفاله لكونه يمكن أنْ يلعب دوراً كبيراً في منافسة المستورد من تلك السلع والبضائع في الأسواق المحليَّة، لا سيما بعد أنْ كشفت الحكومة عن توجهاتها الوطنيَّة لدعم الاقتصاد الوطني وتنوع مصادره خلال الفترة المقبلة من الدورة التشريعيَّة الحالية، وأصبح من المؤكد إنَّ هذا الدعم سيقود إلى نهضة صناعيَّة محليَّة يسهم فيها كل من القطاعين العام والخاص وينعكس بشكل إيجابي واسع على بيئة العمل والإنتاج لأنه سيعيد آلافاً من العمال الفنيين وغير الفنيين إلى مواقع العمل وحقول الإنتاج، كما يحفز الكثير من التجار والصناعيين على تحديث وتيرة العمل ورفع قدرة الإنتاج لدى مشاريعهم الخاصة، بما يعزز من كمية المصنوع المحلي ويرفعه إلى قدرٍ عالٍ من الكفاءة ومستوى رفيعٍ من الجودة.
ولنا أنْ نذكر أفضل مثال على تلك الإجراءات هو تمكن وزارة الصناعة والمعادن متمثلة بمعمل ألبسة محافظة نينوى من زيادة وتيرة العمل في معمل الموصل لإنتاج 20 ألف قطعة يومياً من أنواع الألبسة الخاصة بعمل المستشفيات والمراكز الصحيَّة وكذلك لرفد السوق المحليَّة بمنتجاتها والعمل على سد الحاجة المحليَّة منها، الأمر الذي جعل من تلك النشاطات أنموذجيَّة بكل المقاييس لأنَّ مدينة الموصل تعدُّ أكبرَ وأهمَّ مدينة عراقيَّة محررة من دنس الإرهاب وأنَّ مسألة إعادة العمل الصناعي إليها تعدُّ من الأمور الصعبة بكل المقاييس، وهي الآنْ في طريها للتعافي من الآثار السلبيَّة التي أحدثتها ظروف التخريب 
“الداعشي”.
وما نريد التركيز عليه في هذا الأمر هو أنَّ الوزارة لم تزج العمال الماهرين في الإنتاج، فحسب، إنما زجت كذلك الفنيين لرفع رصانة المنتج وزيادة كفاءته، فضلاً عن ذلك وسعت مساحة التسويق المحلي للمنتج الوطني، وعززت دوره في زيادة العرض وتنويع مصادره ليزاحم ما موجود من منتجات أجنبيَّة مستوردة من مناشئ عالمية، فهي بالإضافة إلى تمييز المشترين من موظفي الدولة باعتماد نظام التسديد على شكل دفعات شهريَّة ميسرة، كذلك عملت على تنويع مراكز التسويق في محافظات أخرى غير نينوى، لا سيما أنَّ الوزارة قد نالت شهادة الجودة الدوليَّة المعروفة بـ (الايزو) لأنواعٍ كثيرة من
 سلعها.
ومن هنا لا بدَّ من الإشارة إلى جملة من المعطيات الإيجابيَّة التي جسدتها تلك الإجراءات العمليَّة التي انبرت لها الوزارة ويمكنْ أنْ نذكر 
منها.
أولاً: إنَّ عمليتي الإنتاج والتسويق في مثل تلك الحالة تجذبان مستهلكين من شرائح كبيرة من الزبائن والعملاء وتحققان نسباً متصاعدة من الأرباح بما يعدُّ ركيزة أساسيَّة لتحديث نمط الإنتاج وإقناع المستهلك لشراء البضائع المنتجة محلياً، وفسح المجال أمام أكبر عدد ممكن من المسوقين في محافظات أخرى خارج نينوى، حتى تكون تلك السلع متاحة بشكل أكبر في السوق المحلية ما يزيد من فرص الشهرة والترويج ويكسب ثقة المواطن بجودة الصناعة 
المحلية. 
ثانياً: التعرف على حاجة السوق المحليَّة من المنتجات الوطنيَّة، فضلاً عن ذلك مواصلة العلاقة بين المسوق والمشتري وتعزيز ثقافة المستهلك من أجل الارتقاء بالمنتجات الوطنيَّة، ما يسهم بتشجيع عملية التصنيع وتحديث المعامل وإعادة الحياة إلى خطوطها الإنتاجيَّة والوصول بها إلى الاكتفاء الذاتي من السلع التي تنتجها، لا سيما أنَّ خطط إنجاح الصناعة المحلية لا بدَّ أنْ ترتكز بشكل مباشر على مسألة تسويق المنتج بشكل 
سليم.
ثالثاً: معالجة مشكلة الغلاء لبعض المنتجات المستوردة، إذ إنَّ إقدام المستهلك على المصنوعات المحليَّة يقلل من مستوى الطلب على المستورد، ما يؤدي إلى خفض أسعار الكثير من البضائع والسلع من المناشئ الخارجيَّة ولكون الكميات المنتجة من أية سلعة محلية تعرض وتلاقي إقبالاً ملحوظاً يقابله ضعفُ الإقبال على منتجات أخرى تناظرها في النوع والجودة أيضاً، بالإضافة إلى ذلك انعكاساته على تقوية دور القطاع الخاص الذي يعدُّ من العناصر الضروريَّة للتنمية الاقتصاديَّة في كل بلدان 
العالم.