شكر حاجم الصالحي
منذ أن أنجبته محلة المهديَّة في مدينة الحلة عام 1934 م, وهو كسائر أقرانه يميل الى ابتكار كل ما هو جميل ليخفف عنه أوجاع سياط الفقر والفاقة والحرمان في تلك السنوات العجاف, وبفعل تلك الظروف القاسية ابتعد عن التعلم في المدارس الحكومية، واتخذ من الأعمال الحرة طريقاً لكسب قوته وقوت عائلته المثقلة بهموم الحياة القاسية, ومنذ صباه أخذ محمد علي عمران يتردد على مجالس العزاء الحسينية التي كانت تقام في محلته المهدية والمحلات المجاورة لها, وحثّه أصدقاء الشباب وبتشجيع من أسرته على تعلّم القراءة والكتابة عند ملالي ذلك الزمان, لكن الحظ لم يحالفه في التعليم المطلوب, وقد بهره قراء ورواديد المجالس الحسينية, فبدأ التشبه ببعضهم فسحره بشكل خاص الرادود والشاعر الحسيني الكبير عبد الصاحب عبيد الحلي بطريقة نظمه وقراءته المبهرة, ومن تلك الأيام نمت في نفسه الرغبة في ارتقاء المنبر وتقليد فرسانه المميزين, ونجح في مسعاه وأصبح (رادوداً) ذائع الصيت يستدعيه أصحاب المواكب للقراءة فيها, فهو شاب يتمتع بصوت شجي وأداء مختلف عمن سبقه من رواديد وله موهبة في نظم الاشعار والردات
الحسينية.
اشتهر محمد علي القصاب شاعراً في اواخر خمسينيات القرن الماضي, وبفضل صداقته مع ابن محلته سعدي الحلي واحتضان عباس مهدي الوادي في مقهاه لهما, التي تحولت في ما بعد الى محل تسجيلات أسماها الوادي تسجيلات أبو عامر, والتي كانت شاخصة في شارع المكتبات في الحلّة, وراح الملا القصاب يكتب الشعر الغنائي, ويلحنه بذائقة شعبية, فكتب لسعدي الحلّي ((يخمري))، التي نالت شهرة واسعة في وقتها, ومن الجدير بالذكر ان القصاب تأثر في بداية حياته الشعرية بشعر الشاعرين حسن العذاري وملا منفي عبد العباس , ورغم وجود شعراء كبار نظموا الشعر الغنائي مثل: سيف الدين ولائي, عبد الحميد الفتلاوي, جبوري النجار وعبد الكريم العلاف في زمن صعود القصاب، إلا أنه لم يتأثر بإبداعاتهم, وأعتقد أن ذلك يعود الى كتابتهم أشعارهم في اللهجة البغدادية.
واضافة لبراعته في كتابة النص الغنائي، إلا أنه امتلك صوتاً ساحراً بقدرات ملفتة للانتباه، وقدّم العديد من الابوذيات التي غناها مطربو ذلك الزمن: حضيري ابو عزيز, داخل حسن, عبد الزهرة الفراتي و محسن الكوفي, وجعفوري وتوثقت صلته الفنية والشخصية بالمطرب الشاب محسن الكوفي، الذي غيبه السل الرئوي وهو في ريعان شبابه في مستشفى مرجان في الحلّة.
ومن الأغاني التي كتبها القصاب لصديقه وابن محلته سعدي الحلّي وذاع صيت سعدي بفضلها: يمدلوله, حبيب أمك, وين نروح , احب من يكعد اكبالي, خذني بالسريع بليل, كلهه منك زاد همّي وكثر, ما شافت عيوني النوم, هلّه هلّه وشجاني وعشرات الأخريات من ابداعات القصاب شعراً ولحناً, ومن الطريف ذكره أن الملا محمد علي القصاب ترك مهنته ((القصابة))، وبفضل مسؤولي ذلك الزمان تم تعيينه حارساً في إحدى دوائر الحكومة ليعيش بقية عمره بلا زواج ولا ذريّة... حتى توفاه الله في اواسط عام 2004 .