صوفي بلاك
ترجمة: شيماء ميران
لقد تغيّر شيء ما خلال العامين الماضيين في العديد من الأسر الاسترالية، فلم يكن يعني الاضطراب للبعض إرهاقاً فقط بل تباطؤ واقتراب أكثر وأصبحوا أكثر قدرة على التكيف.
ففي منتصف العام 2020، اشتكى جيران آشير من ابنه الذي كان يزرع النباتات في مساحة مخصصة للسيارات في المجمع السكني، ما جعل الهيئة تهددهم بتغريمهم.
وقرر آشير الانتقال إلى بلدة أخرى، ولم يكن هذا القرار سهلا، لأنه سيتوجب عليهم ترك مهنة داوموا عليها لأكثر من عقد من الزمن، ويقول: «إنه حل وسط، فالأمومة والأبوة علاقة ذات وجهين».
أنهت الجائحة مخططات آشير بشأنهم كأسرة، بينما لم يتنقل جميعنا في أرجاء العالم لمصلحة أولادنا، لكن العامين الماضيين كانا كفيلين بتغيير ممارستنا للأبوة والأمومة وعلاقتنا بأطفالنا وبشكل دائم.
يتذكر جون، أب لثلاثة أطفال من ميلبورن، الأيام المبكرة والمرهقة جداً للجائحة حين سألته ابنته ذات العشرة أعوام عما إذا كانوا سيموتون، وبكى قائلا: «تغيرنا حينها، وقلت مشاهدتنا للأخبار، وأصبحنا نقضي المزيد من الوقت مركزين على مصلحة أولادنا».
لقد أنهك القلق والخوف على الأولاد الكثير من الأهالي خلال العامين الماضيين وهم يحاولون حماية وجوههم، فالمحادثات المهدئة عن اللقاحات، وإيقاف الأخبار عندما تُبحلق عيون الأطفال، ما هي إلا محاولة للتعاطف مع محنة طفولة لم نتعامل معها مطلقاً، فلا شيء يضاهي بسمة شفاه الوالدين وهما يحاولان إقناع الطفل أن عيد الميلاد الآخر هو الوقت المناسب حقاً.
يقول الدكتور جو توتشي، الطبيب النفسي والمختص الاجتماعي والمدير التنفيذي لمؤسسة الطفولة الاسترالية: «إنه أحد الأوقات التي يكتسب فيها الأطفال خبرة، وليتعامل الأهالي أنفسهم معه في الوقت ذاته، إنه نقص في القدرة على التحكم والتخطيط، وكيفية تعاملنا مع هذا التهديد الوجودي الذي نواجهه إلى جانب أطفالنا، وبالنتيجة أصبح الوالدان أكثر تكيفاً عملياً».
وبينما يستمر الوالدان بالصراع مع تداعيات الأزمة وتأثيرها عليهم وأطفالهم، أدرك البعض أن ما تعلموه من العامين الماضيين كان واقعياً وذا قيمة دائمة.
ملاحظة أمور غفلنا عنها
يقول نيك تيباي، المسؤول التنفيذي للعلاقات الأسترالية: «أعادت الجائحة أهمية أن تكون قادراً على قضاء الوقت مع أطفالك، واستمد الناس قوتهم من ذلك حقاً، وتفاجؤوا فعلاً بمدى استمتاعهم بقضاء الوقت معاً».
إن الهيئة الوطنية وبالشراكة مع جامعة جريفيث في كوينزلاند تعمقت بالمرحلة الثانية من دراسة الأسر المفتوحة للمكون الأسترالي لمعرفة الآثار المتوسطة وبعيدة المدى للجائحة على العلاقات في الحياة الأسرية».
وأظهرت بعض النتائج الأولية للدراسة أنه ما يقارب ثلثي الناس كانوا قلقين على مصلحة أولادهم، ونوعية المشاعر التي لا تتعارض مع شعور «نحب أن نكون معاً»، وأحد الأمور التي سمعناها مراراً وتكراراً أن الناس لا يريدون أن يضيعوا المزيد من الوقت، يقول تيباي: «بغض النظر عن جميع تلك الضغوطات والمخاوف والقلق، فهناك شيء ما تمسك به الناس».
ورغم أن بعض الأسر عانت من ضغوطات مالية وعنف أسري خلال فترة الإغلاق، لكن يبدو أن هناك رغبة مستمرة في قضاء المزيد من الوقت مع الأطفال بغض النظر عن أعمارهم.
كما فكر بعض الآباء بإنجاب أولاد، ويرغب البعض الآخر بتعويض الوقت الضائع مع أولادهم، وأدرك آباء آخرون ممن لديهم أولاد أكبر سناً أنهم تمتعوا فعلاً بقضاء الوقت مع أولادهم المراهقين.
ويؤكد تيباي أن الآباء كانوا مستمتعين في القراءة مع أولادهم ومراقبتهم عن كثب لمعرفة الأمور البسيطة عنهم.
الحدس والاستغناء
تظهر دراسة أجريت العام الماضي أن الآباء الأستراليين تعرفوا على المزيد من رعاية الأطفال والأمور المنزلية خلال الجائحة، وبالنتيجة تشاركوا الضغوط والمخاوف من هذه الأدوار أيضاً.
كانت زوجة باتريك في فترة ما قبل الجائحة هي التي تتحمل جميع المسؤوليات، لكن ذلك تغير خلال الجائحة فأصبح باتريك يتشارك معها المسؤوليات وما زال.
كما تعرف باتريك على قدرات طفله كتناوله العشاء بمفرده، والتحدث بطريقة أكثر تعقيداً، الأمر الذي فاجأه.
تشعر إميلي، أم عازبة لطفلين (18 عاماً و10 أعوام)، أنها قامت بدورها في تعليم أولادها في المنزل أثناء الاغلاق في منطقة فيكتوريا الإقليمية، وتقول: لقد تعلمت «أن تكون مشاعري وظروفي أكثر صدقاً مع أطفالي».
يقول تيباي: «بالتأكيد لا يمكنك أبداً التنازل ولو شكليا عن مسؤولياتك تجاه أطفالك أثناء الوباء، وتركها لمعلميهم أو مجموعاتهم الاجتماعية، لقد كان الأمر متعلقا بكم كآباء، لقد رأينا الآن أنه يمكننا أن نلعب هذا الدور بنشاط أكثر ونستثمر الوقت الذي يمر به أطفالنا».
عن صحيفة الغارديان