أ . د . نجاح هادي كبة
يعيش الإنسان في عالمين أحدهما داخلي (ذاتي) والآخر خارجي ( المحيط الاجتماعي) ويتكيّف الطفل لهذين العالمين في سلوكه واتجاهاته المعرفية والوجدانية والنفس حركية لكن سيطرة الطفل على هذين العالمين يختلفان عن سيطرة الكبار وتحكمهم فيه وذلك لعوامل وراثية وبيئية منها النضج العقلي والانفعالي والجسمي وبناء على ذلك يكون تكيّف الطفل في محيطه الاجتماعي أسرع من الكبار فيكتسب الإنسان الصغير والكبير السلوك السليم وغير السليم تبعاً لمحيطه الاجتماعي وكأنه واقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي , يقول د. علي الوردي : ( ان الإنسان في حياته الاجتماعية واقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي ومنوّمه الأكبر هو المجتمع بما فيه من قيم وتقاليد وأنواع شتى من الإيحاء ) الأحلام بين العقيدة والعلم, ص: 119 , والشخصية بحسب نظرية فرويد (1856ــ 1939) لها جانبان , أحدهما شعوري والآخر غير شعوري ويسيطر الجانب اللاشعوري على الكبار والصغار نتيجة التلقين والعدوى والمشكلة في اكتساب الطفل للسلوك غير السليم من محيطه الواقع تحت تأثير التنويم الاجتماعي فيصيب الطفل الخدر ويشلّه عن التفكير ويسيطر عليه السلوك غير السليم بصورة لا شعورية والإنسان ولاسيما الطفل يقع تحت تأثير الالفة والتطبع وبحسب نظرية العالم الروسي بافلوف (1849ــ 1936)في التعلم الشرطي ان الإنسان سواء أكان صغيراً أم كبيراً يكتسب السلوك من محيطه الاجتماعي بصورة آلية وعلى رأي فرويد بصورة لا شعورية أو غير واعية ويؤكد عالم الاجتماع الفرنسي دور كايم (ان شخصية الإنسان ذات طابع اجتماعي بحت , باعتباره نتاج المجتمع , فما يجعله إنساناً بأبعاده الأخلاقية والروحية والعقلية إنما المجتمع ذاته) تأملات في اللاشعور , يحيى محمد ,ص:33 , والأسرة التي يكتسب أفرادها السلوك غير السليم ستعمم هذا السلوك على المجتمع وينتشر فيه ( قانون التعميم والانتشار لدى بافلوف ) فالأسرة نواة المجتمع , وهكذا تنتشر العدوى النفسية للسلوك غير السليم داخل المجتمع من دون مناقشة ( فالوعي العقلي يتضاءل ويتصاغر أمام هجمة الدوافع فما أسهل ما يعم الشر , وما أصعب ما يبنى الخير قباله ) المصدر السابق , ص:40 . ولا شك في أن للثقافة دوراً كبيراً في زيادة وعي الإنسان وتعديل سلوكه يقول ميشيل فوكو (كلما ازدادت الثقافة قلّت الجريمة) ويؤكد ان (الثقافة سلطة) ولا ريب في ذلك فالسلطة مؤثرة في تعديل السلوك غير السليم وتقع مسؤولية نشر الثقافة في الأسرة والمجتمع على عاتق أولياء أمور الأطفال والمدرسة , وبناء على ذلك يتوجب أولياء الأمور مراجعة معتقداتهم وأفكارهم في ضوء محكات معرفية صائبة والابتعاد عن التعصب والتطرف في تربية الأطفال لأنهما يولدان العنف ـ وان يكون لكل مقام مقال ـ كما يقال ـ