أشخاصٌ قرروا التخلي عن هواتفهم الذكية

اسرة ومجتمع 2022/05/28
...

  سوزان بيرين
  ترجمة: مي اسماعيل
في عالم يلتصق فيه كثيرون بهواتفهم الذكية، تعتبر «دولسي كاولينج» حالة غريبة، إذ قررت التخلي عن هاتفها الذكي. جاء قرار الأم ذات الـ36 عاماً في أواخر العام الماضي، حينما قررت الاستغناء عن الهاتف الذكي (لتحسين صحتها الذهنية) والعودة لاستخدام هاتف بسيط لا تتجاوز كفاءته التقنية استقبال وارسال المكالمات الصوتية والرسائل النصية. 
 
تستذكر كاولينج إحدى اللحظات الفاصلة في اتخاذ قرارها هذا حينما كانت في المتنزه مع طفليها (3، 6 سنوات) قائلة: «كنت مشغولة بهاتفي الذكي والأولاد يلعبون، ورفعتُ رأسي للأعلى فوجدتُ أن جميع الآباء والأمهات (وكانوا نحو عشرين شخصاً) كانوا ينظرون إلى هواتفهم ويقلبون الصفحات. فكرتُ: «متى حدث هذا؟» الجميع يُفوّتُ الحياة الحقيقية.. لا أظن أن أحداً سيرقد على فراش الموت وهو يفكر أنه كان يجب أن يقضي وقتا أكثر مع تويتر، أو يقرأ مواضيع على الانترنت»، تقول كاولينج (وهي مديرة الإبداع في وكالة إعلان) إن فكرة التخلي عن الهاتف الذكي اختمرت لديها خلال فترات الاغلاق بسبب الجائحة: «فكرتُ كم من الوقت يمر من حياتي وأنا أنظر إلى شاشة الهاتف وما يمكنني فعله خلاف ذلك، ارتباط الهاتف المستمر بالكثير من التطبيقات يسبب التشتت الفكري، ويشغل الدماغ بالكثير من الأشياء»، وتخطط كاولينج لاستغلال الوقت الذي كسبته من ترك الهاتف الذكي للقراءة والنوم. 
يمتلك نحو تسعة من كل عشرة أشخاص في بريطانيا اليوم هاتفا ذكيا؛ وهي نسبة تكاد تتكرر في جميع أنحاء العالم المتقدم. ونحن ملتصقون بتلك الهواتف؛ إذ كشفت إحدى الدراسات أننا نمضي نحو خمس ساعات يوميا مستخدمين جهاز الهاتف، لكن عددا قليلا من الناس (وهو عدد بات في تزايد) قرر أنه نال الكفاية من ذلك.
 
تحرير الأفكار
هجر»أليكس دونيدن» (باحث تعليمي وخبير تكنولوجيا من اسكتلندا) هاتفه الذكي قبل عامين، وعن هذا يقول: «ثقافيا أصبحنا مدمنين على تلك الآلات؛ لكنها تثبط الإدراك وتعيق الإنتاجية». كما كان الهاجس البيئي سبب آخر وراء قرار دونيدن؛ كما يقول: «نحن نهدر كميات هائلة من الطاقة لإنتاج كميات هائلة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون»، أصبح دونيدن أكثر سعادة وإنتاجية منذ توقف عن استخدام الهاتف الذكي، ولا يمتلك اليوم حتى هاتف نقال عتيق الطراز، ولا حتى خط هاتف أرضي؛ بل يكتفي بالتواصل عبر حاسوبه الشخصي المنزلي بالبريد الالكتروني. ويمضي قائلا: «لقد تحسنت حياتي، وتحررت أفكاري من الاتصال المعرفي المستمر بآلة أحتاج إلى تغذيتها بالطاقة والمال، وأعتقد أن خطر التكنولوجيا أنها تقوم بإفراغ حياتنا». 
اضطرت «لين فويس» (المُدرّسة والكاتبة ذات الـ 53 عاماً من بيرمنغهام) لمعاودة استخدام الهاتف الذكي بعد ست سنوات من تخليها عنه؛ إذ أجبرتها الجائحة على شراء هاتف ذكي جديد، لغرض استخدام «رموز الاستجابة السريعة- QR» في المطاعم والاماكن العامة، وما يسمى بجوازات سفر كوفيد-19، وضرورة الاتصال بإحدى بناتها التي تعيش في باريس. لكنها تخطط لمعاودة التخلي عنه (طالما استطاعت ذلك)؛ قائلة: «حينما نتخلص من الجائحة وتعاود ابنتي العيش في الوطن سأحاول تركه ثانية؛ فهو يبدو كالإدمان، أليس كذلك؟» هجرت فويس هاتفها الذكي سنة 2016 لتشجيع بناتها على تقليل استخدام هواتفهن: «لقد كن ملتصقات بشاشة الهاتف، وفكرتُ أن الطريقة الوحيدة لإيقاف ذلك هي التخلص من هاتفي، وهذا شكّل فرقا كبيرا حين لم يعدن يرينني استخدم هاتفي، رفع القرار ضغطا كبيرا عن دماغي؛ فلم أعد أشعر أن عليّ الاجابة السريعة على كل شيء أو أكون حاضرة حتى لو خرجتُ من المنزل».
 
وضع حدود للأشياء
رغم كل شيء، وبينما يقلق البعض حول الوقت الذي يقضونه أمام شاشة الهاتف الذكي؛ فإن ذلك الجهاز يعتبر هبة من الله بالنسبة للملايين، يقول متحدث عن شبكة الهواتف البريطانية المحمولة: «أصبح طريق الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية وإلى أصدقائنا وأسرنا رقميا أكثر من أي وقتٍ مضى؛ وبات الهاتف الذكي شريان حياة أساسي للناس، وكذلك نساعد الأشخاص للحصول على أقصى استفادة من التكنولوجيا الخاصة بهم والحفاظ على سلامتهم عندما يكونون متصلين بالإنترنت؛ وهذا أمر بالغ الأهمية». لكن «هيلدا بيرك»، المُعالِجة النفسية ومؤلفة كتاب «إدمان الهاتف» ترى وجود صلة قوية بين الاستخدام المفرط للهاتف وبين قضايا العلاقات ((الانسانية)) ونوعية النوم ومستويات التركيز وقدرتنا على إطفاء الجهاز للاسترخاء؛ قائلة: «الكثير من الناس يتلقون تغذية بالتنقيط المستمر لطلبات قادمة عبر أجهزتهم، تحمل شعوراً زائفاً بالإلحاح. يشعر الناس بعدم القدرة على وضع حدود للأشياء؛ وبالتالي يشعرون أنهم مضطرون للتحقق من رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصيّة الخاصة بهم قبل النوم وحال الاستيقاظ. 
إذا كنت تشعر أن التخلص من هاتفك الذكي أمر كبير لكنك تقلق أيضاً من قضائك وقتاً طويلاً في استخدامه؛ فهناك أساليب يمكن استخدامها لتقليل الاستخدام، وترى بيرك أن من المفيد القيام بمراقبة الوقت الذي يقضيه الشخص مستخدما هاتفه الذكي، قائلة: «البدء بحساب الوقت الذي يقضيه الشخص يوميا مستخدما الهاتف الذكي يمكن أن يكون جرس إنذار قوي وحافزا للتغيير». كما تنصح الناس بتوفير فترات قصيرة يقومون خلالها بإطفاء الهواتف أو تركها في المنزل، وزيادة تلك الفترات تدريجيا قدر الامكان. وأخيرا تقترح اختيار صورة أو كلمة معينة تمثل ما يرغب الشخص بالقيام به في الوقت الذي يكسبه بعيدا عن الهاتف لتكون خلفية شاشة هاتفه؛ قائلة: «بالنظر لقيام أغلب الناس بالتحقق من هواتفهم نحو 55 مرة يوميا، والبعض نحو مئة مرة؛ فإن هذه طريقة بصرية ممتازة للتذكير بما يجدر بنا أن نفعله لقضاء وقتنا الثمين.
عن/  بي بي سي البريطانية