العودة إلى الملابس القديمة.. تحول في الذوق العام

اسرة ومجتمع 2022/06/11
...

  زاكري سونتاغ
  ترجمة: مي اسماعيل 
 
يبدو أن الاتجاه لشراء الملابس المستعملة حلَّ من جديد ليبقى، وباتت الملابس القديمة هي الجديدة من هذا المنظور. يعيد المتسوقون الشباب استكشاف موضة الأيام الخالية بصفتها متفردة وتوفر المال وتقلل من خسارة قطع الملابس المنتجة فعلا، كما تعتمد نزعة «التجميع» الجديدة بشكل كبير على المزج والتنسيق بين قطع موضة السنوات السابقة.
 
أناقة لا يفسدها الزمن
ليست هذه النزعة الجديدة بالجديدة فعلا؛ إذ طالما أقبل الناس على شراء ملابس سبق استعمالها (خاصة من إنتاج دور أزياء كبيرة أو لاقت رواجا في حينها). ويعود هذا الاقبال أيضا إلى منظور بيئي واقتصادي؛ كأسلوب لدعم بيئة مستدامة ومعقولية الأسعار، وحتى يحصل المشتري على قطع متميزة في خضم سيل الموضة المتقلبة. تقول «سوزان ويتمور» (صاحبة أحد متاجر الملابس المستعملة المتميزة) وهي تحمل فستان سهرة طويلاً منقوشاً بطبعات زهور يعود لحقبة الستينيات: «هذه الملابس أقل سعرا وأعلى جودة، وهي أكثر تفردا؛ فلن يرتدي أحد الفستان ذاته في الحفلة التي سترتادونها، عمر هذا الفستان ستون عاماً وما زال يبدو مدهشا؛ وهذا ما بدأ الناس بفهمه الآن». متجر ويتمور واحد من مجموعة متزايدة من محال التجزئة التي تقدم ملابس واكسسوارات من منتصف القرن الماضي، والتي أسهمت في إحياء موجة العودة إلى الموضة القديمة. منذ السنوات القليلة الماضية أصبحت الملابس المستعملة أولوية مهمة لعدد متزايد من المتسوقين؛ الذين اتجهوا إلى أناقة الماضي حينما تسبب تعثّر سلاسل التجهيز والقلق الاقتصادي الناتج عن جائحة كورونا بتقليل جاذبية البضائع الجديدة. والآن يعتقد أصحاب متاجر التجزئة أنه اتجاه سيستمر طويلا. تمضي ويتمور قائلة: «رأيتُ الكثير من الزبائن قدموا للمرة الأولى؛ فحينما لم يجدوا طلبهم لدى المتاجر الكبرى أو تأخر التجهيز؛ جاؤوا إلينا طلبا لفساتين الزفاف او الحفلات الخاصة، وشباب يطلبون بزات حفل التخرج».
رغم المكاسب المفاجئة لسوق الملابس المستعملة بسبب الجائحة، فقد كانت أساساً سوقاً تعيش انتشارا خلال العقد الماضي؛ مدفوعة عموما من جيل شاب يعي تحولات المناخ، والذي يرى أن شراء ملابس مستعملة «ليُعاد تدويرها» (كما يحلو لهم تسميتها) أداة حاسمة لمواجهة المناخ المتطرف، وتصرف فوري لإيقاف صناعة أزياء سريعة المسار (لا تخلو من الشكوك) عند حدها. وفقا للدراسات الحديثة تعتبر صناعة الموضة الحالية مسؤولة عن نحو عشرة بالمئة من انبعاثات غاز الدفيئة التي يسببها الانسان، وعشرين بالمئة من مياه الصرف الصحي عالميا، وتستخدم طاقة تفوق متطلبات قاطعي الطيران والنقل البحري مجتمعين. حتى دور الأزياء الراسخة بدأت بالانضمام لحركة إعادة التدوير؛ ومنها برنامج جديد «ليفايس للملابس المستعملة- Levis Secondhand»؛ إذ يعمد لشراء بنطلونات الجينز المستعملة والمتهرئة كي يعاد تجهيزها وبيعها.
 
باعة ومؤثرون
يعمل «أدغار جيراردو» (المكسيكي المهاجر إلى أميركا مع أسرته منذ طفولته) بتجارة الملابس المستعملة، وقد طوّر فهماً وكفاءة انتقاء (مدفوعا بالضرورة العملية). هذه المهنة كانت من الخيارات القليلة المتاحة للمهاجرين لكسب المال؛ كما يقول: «لم يكن احد يُوظّف المهاجرين في لوس أنجلوس خلال التسعينيات، وهذا كل ما كان بوسع الأسرة أن تعمله.. بيع وشراء في أسواق العتيق. وشيئا فشيئا اكتسبنا خبرة انتقاء البضاعة الرائجة التي تباع بسهولة». حينما انهار الاقتصاد سنة 2008 انتقل جيراردو وأسرته إلى ولاية يوتا؛ معتزما «القيام بأعمال منتظمة»؛ لكنه سرعان ما اكتشف خزينا غير مستغلٍ من البضائع؛ هنا يقول: «لم أكن أعرف بوجود تلك الكميات من الملابس القديمة التي لم يطلبها أحد؛ لذا عُدتُ إلى مهنتي القديمة: انتقاء والتقاط الملابس المتميزة وكل ما يمكنني الاستفادة منه وكسب الربح». يرى جيراردو أن التوجه الحالي لإعادة استخدام الملابس بدأ في الثقافات الفرعية اليابانية والبريطانية؛ والتي بدأت تستقطب الانتباه في الولايات المتحدة بحدود سنة 2015. من هنا نالت الملابس العتيقة تأييد المشاهير المؤثرين، وانتشرت في أرجاء البلد، وأدت أحيانا إلى ارتفاع أسعار الملابس المستعملة؛ خاصة ما ارتداه المشاهير. لكن جيراردو يُشكك في التوجهات البيئية لمشتري الملابس القديمة؛ ويعزو اهتمامهم أساسا إلى نزعات ذوق المستهلكين. كما يعتبر «المؤثرين- influencers» جزءاً من نظام سياقي يعمل وفق مبادئ مختلفة؛ تهتم بالمجتمع وتحتفي بالتعبير الفردي معاً. 
تروج «هانا روث زاندر» (وهي مؤثرة صاعدة من ولاية يوتا) للمنتوجات القديمة على حسابها الشهير بالانستغرام؛ إذ تعمد لتجميع «إطلالة» متفردة من قطع تعود لحقب متباينة.. تقول: «أصف الاطلالات بأنها «موضة الستينيات تعانق يومنا الحاضر»؛ مع تلميح لموضة القرن الثامن عشر. هناك قطع قديمة، ثم أحدث، ثم الأحدث.. أحبُ المزج بين حقب مختلفة». تؤكد زاندر أن «المؤثرين» يلعبون دورا مهما للتشجيع بالعودة إلى المظهر المتفرد، الذي «تسطّح» أثناء ظروف الجائحة؛ قائلة: «حينها ارتدى الناس غالبا ملابس رياضية، وهذا وقت انقضى؛ ولا أعتقد أن أحدا يرغب برؤية تلك الملابس ثانية. الآن يمكن أخيرا الخروج مع الاصدقاء وارتداء ملابس جميلة؛ والملابس القديمة طريقة جيدة لإظهار الشخصيات المتميزة».
تستطرد زاندر قائلة: إن الملابس القديمة تتسق خاصة مع نزعة «التجميع»؛ إذ يجري ارتداء قطع ذات جمالية غزيرة صاخبة الألوان متضاربة بالطرز، بعيدة كل البعد عن موضة أيام الإغلاق والجائحة: «كلما زادت طبقات الملابس والألوان والقطع كان أفضل، وأكثر جنونا، لذا فالملابس القديمة أفضل إذ يمكن المزج والتجميع من حقب متباينة، لكنها تبقى عصرية ومتماسكة، ويمكن للناس التعبير بحرية ثانية؛ وهذا شيء جميل».
 
عن كريستيان ساينس مونيتور