متلازمة الفساد

آراء 2019/03/25
...

حمزة مصطفى
 
 
اللحظات التي ظهر فيها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وهو “يلطم” على رأسه في الطب العدلي بالموصل لهول ما رأى جراء فاجعة العبّارة لا بدَّ أنْ ينبني عليها ما قبلها 
وما بعدها. 
فبالرغم من مأساويَّة الحدث وشعور جميع العراقيين بمختلف أديانهم وطوائفهم بالحزن العميق فإنَّ المسألة ينبغي ألا تتوقف عند حدود ما تمَّ التعبير عنه من مشاعر حقيقيَّة, فضلاً عن أنه لا ينبغي اختزال ما حصل بقضية واحدة وهي إقالة محافظ نينوى ونوابه. 
هذا لا يعني أنَّ المحافظ بريء مما جرى ويجري في محافظة نينوى, لكنه جزءٌ من منظومة متكاملة من مظاهر الفساد وظواهره لخصها رئيس الوزراء الدكتور عادل عبد المهدي بـ 40 ملف 
فساد.
المحافظ أو نائباه أو مجلس المحافظة أو سواهم من المسؤولين في نينوى لا يختلفون عما هو مؤشرٌ في الوزارات أو المحافظات أو الهيئات أو الوكالات أو السفارات في عموم العراق. لذلك فإنَّ الهرولة نحو إقالة المحافظ بصرف النظر عن كل ما تتضمنه من مبررات فإنها يمكن أنْ تتحول الى ما هو أخطر من الفعل ذاته حين يتم التعامل مع ملف القصة كلها بمجرد البحث عن كبش 
فداء.
مأساة العبارة هي تعبيرٌ دقيقٌ عن متلازمة فساد متكاملة نخرت ولا تزال تنخر بجسد الدولة العراقيَّة كله. فحبر المعلومات والأرقام والتصريحات والوثائق عن هدر مئات مليارات الدولارات منذ العام 2004 وحتى اليوم لم تجف بعد. 
فمن مجموع ما دخل الى ميزانية الدولة منذ 15 عاماً يزيد على الترليون دولار. الراسخون في علم تفاصيل هذه القصص يقولون إنَّ ما تم هدره ينيف على الـ 300 مليار 
دولار.
لم يقل أحد بخلافٍ ذلك, لا معلومة ولا وثيقة ولا رقم ولا تصريح. يكاد يكون حديث السرقات في العراق هو الحديث الوحيد المتفق عليه بين كل الرواة حتى لو كان قسمٌ من هؤلاء الرواة هم من أبطال الفساد أو متلازمته.
لكنْ.. هل كنا بحاجة الى غرق عبّارة كان على متنها أكثر من 200 إنسان في نهر دجلة لنكتشف هول ما نحن فيه من تقصير؟ لا أبداً؟ 
هل كان على الجمهور الغاضب أنْ يميز بين رئيس الجمهورية برهم صالح الذي سخنت دموعه وهو يتحدث أمام الجمهور الهائج وبين المسؤول الأول بالمحافظة الذي كان يرافق الرئيس مرتدياً ربطة حمراء؟ هل كنا بحاجة الى حشرجة صوت رئيس البرلمان محمد الحلبوسي الذي كان يحذر من تكرار المآسي ما لم نضع حلولاً جذريَّة لها؟
بل هل كنا بحاجة الى أنْ “يلطم” رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على رأسه بالطلب العدلي في الموصل وهو ينظر الى جثث الأطفال بينما يقف المحافظ خلفه الذي حرصت الكاميرات على إبراز ابتسامته مرتدياً ربطته 
الحمراء؟ 
أقول نعم ولا. نعم لأننا لم نكترث بكل ما أصابنا من مصائب طوال السنوات الماضية بالطريقة التي تجعلنا نرتفع الى مستوى الفجيعة. ولا.. لأنَّ طريق مكافحة الفساد لا تحتاج إلا الى إرادة سياسيَّة مقترنة بإدارة 
حازمة.