نفوس وطقوس

الرياضة 2022/06/19
...

كاظم الطائي
لا يمكن أن نعد الشوق لزمن مضى والتوق لعصر مقبل أكثر جمالا وبهاء ورخاء ثلما لعهد أطل وسلبا لعالم جديد أصبح العالم فيه قرية صغيرة يدار بلمسة زر وتغريدة بأقل الحروف في وقت تسابقت فيه الحداثة لتبسط أذرعها في كل مكان وانتشرت وسائل الاتصال حتى غدت رفيقا يوميا للطفل الصغير والشيخ الكبير وهم يحدقون بما تبثه مواقع التواصل من عجائب وغرائب .
أتذكر مليا أول سينما وتلفاز شاهدتهما بداية الستينيات من القرن المنصرم في معرض بغداد الدولي بدعوة من والدي الذي عمل لسنوات في أعمال التشييد في المعرض قبل افتتاحه بأجور يومية واصطحبني معه لأرى سيركا من فعاليات الكلاب تقفزعاليا وتدخل نوافذ محمولة بسرعة فائقة وتعمل دوائر وأشكالا متنوعة خلال حركتها وسط ذهول الحاضرين وشدة هدوئهم وصمتهم الواضح.
أول مرة دخلت مكتبة عامة كان منتصف الستينيات على ما أظن وهي العباس بن الأحنف في مدينة الصدر، هالني السكون الرهيب في قاعتها احتراما لطقوس معتادة لا تؤثر في مشاعر الغير وتركيزه، وفي أواخر ذلك العقد ارتقيت مقاعد المتفرجين في ملعب الشعب بعد سنوات من افتتاحه رسميا وأمعنت النظر بأرجاء سيد الملاعب وأعجبت بتصميمه مع أنه كان خاليا من المقاعد الحديثة واعتمد مصمموه على الأجزاء الكونكريتية الممتدة عرضيا لاستيعاب الجمهور .
وفي زيارة أخرى كنت مع لاعبي فريق الطيران باء بقيادة المدرب ولاعب المنتخبات الوطنية والعسكرية الراحل كاظم جبر ابن قطاعنا 38 في مدينة الصدر، ورافقت الفريق بحافلته من مقهى الطيران في الباب الشرقي نحو ملعب الشعب مع بعض الأصدقاء، وفي باب الملعب الرئيس أوقف الحافلة عضو اتحاد الكرة في حينها الراحل معروف الحميري وطلب منا النزول من السيارة لشراء بطاقة الدخول ولم تنفع تبريرات المدرب واللاعبين في منع الرجل من تنفيذ قراره .
ابتعنا بطاقة لكل منا لمشاهدة المباراة بين الطيران باء وفريق الجيش في الدوري الكروي الممتاز وانتهت من دون أهداف وكانت مملة وخلت المدرجات من المتفرجين سوانا لكن الضوابط ملزمة في أداء الواجبات بحذافيرها مهما كانت الأسباب والذرائع والتسويغات وحينما تقام مباريات جماهيرية لا يتردد الحضور في ارتداء الملابس الرسمية والزحف مبكرا لاحتلال المكان المناسب وإطلاق الهتافات التي لا تخدش الأذن ولا تسيء للآخر أو تهبط معنوياته .
للمكان العام طقوسه وتقاليده واحترامه، ويقول المثل الشعبي: ( أكل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس )، حرصا على الذوق العام والتزاما بقيم واعتبارات تهتم بالكل ولا تثلم من الفرد شيئا بتفاعل إيجابي حضاري تزيدها الرياضة شفافية لأنها تحتضن الجميع تحت خيمتها ومبادئها الإنسانية وشعاراتها التي تدعو للمحبة والصفاء لا خاسر فيها ولا رابح .
ما يحصل في ملاعبنا الكروية في بعض الحالات نعده نشازا لتاريخ ناصع للاعب رقم 12 جمهورنا المفتون بمعشوقته وبات علامة فارقة للرياضة في كل مكان، وحري بنا أن نبعد من يغرد خارج السرب في سمفونية التشجيع خارج محيط ملاعبنا ورياضتنا من أجل سمو رياضتنا ونقاء أهلها.. أليس كذلك ؟ .