يروى ان احد الاشخاص قال لرسول الله (ص) أترك ناقتي وأتوكل أو أعقلها وأتوكل؟ عندها وضع النبي الخاتم قاعدة عامة للبشرية اشار فيها للموازنة بين الاسباب الطبيعية وبين المقادير الالهية بقوله، بل اعقلها
وتوكل.
والمعنى ان الله أبى أن يجري الاشياء إلا بأسباب، فجعل لكل شيء سببا وجعل لكل سبب شرحا وجعل لكل شرح، علما كما قال ذلك الامام الصادق (ع)، وبهذا اراد الرسول من السائل ان لا يضع جميع الامور على عاتق الامر الغيبي الالهي وإنما العمل بالاسباب الطبيعية العلمية واتخاذ التدابير اللازمة لحفظ النفس والمال وجميع ما يهمه امره. من هذه القاعدة المنطقية والعقلية والانسانية في آن، تحركت دول العالم المتقدمة لوضع قوانين ملزمة للحفاظ على السلامة العامة للجميع، حماية للانسان حتى من نفسه، لأن البعض متهور بطبعه ولا يردعه عن الحاق الأذى بنفسه وبالغير سوى قوانين صارمة تلحق به العقوبة ان حاد عن الطريق.
من هنا يحز في أنفسنا ان لا تتصرف مؤسسات الدولة بشكل عام ولا مسؤوليها ومنظريها بروح أبوية مع مواطنيها وتضع لهم قوانين للسلامة وتجبرهم عليها كما يجبر الاب اولاده على تناول الدواء، او يضربهم احيانا ان أساؤوا الادب، وإنما تركتهم في فوضاهم فعاثوا في البلاد تخريبا بقصد او من دونه، وما حوادث الحرائق المتكررة في الاسواق والمشاكل التي تحدث على الطرق إلا نتائج طبيعية لهذه الفوضى والعبث، لأن صاحب المحل لا يمتثل لقوانين السلامة ولا سائق المركبة او الدراجة النارية الذي يمر سائقها من امام مفارز المرور على سبيل المثال من دون خوذة او واقيات للايدي والارجل ولا تتم محاسبته او حتى تنبيهه.
ولعل من أفظع الامثلة والدلائل على وجوب سن قوانين ملزمة للسلامة العامة، حادثة العبارة الغارقة في
الموصل.هذه الفاجعة الاليمة التي حصدت ارواح العشرات من الأنفس البريئة التي كان اكثرها من النساء والاطفال، نتيجة الاستهتار بارواح الناس من قبل أناس دفعهم الطمع وعدم الخوف من المحاسبة القانونية من قبل أي جهة حكومية، وإلا لو كان غير ذلك لما سمحوا لأحد بالصعود من دون ان يلبس نجادة تقيه من الغرق لو صادفه حادث كما
جرى.
ولعلي اقول جازما في هذه العجالة، ان جميع الارواح التي ذهبت ضحية لحوادث الحرائق والطرق العامة فضلا عن ضحايا العبارة وغيرها، معلقة برقبة جميع الجهات الحكومية المسؤولة والجهات الخاصة التي لم تراع قوانين السلامة العامة، لأنه من المعيب ان توفر كل سبل السلامة لحضرة المسؤول ويترك المواطن ليواجه قدره
المحتوم، خاصة ان الرسول الاكرم (ص) قال قبل اربعة عشر قرنا (اعقلها وتوكل) أي اتخذ التدابير اللازمة لحماية نفسك وممتلكاتك ثم دع البقية لأمر الله، فيما مؤسساتنا لم تتوكل لا على الله ولا على القوانين الانسانية المحافظة على الحياة.