راهبة نيوزلندا والمحافظ المقال

آراء 2019/03/26
...

نوزاد حسن
 

   حين تابعت تفاصيل حادثة قتل المصلّين في نيوزلندا بكلِّ بشاعتها توقفت كثيرا عند رد فعل رئيسة البلاد تلك التي خرجت إلينا فجأة وأطلّت على العالم لترسل رسالة الى جميع المسؤولين تعلّمهم فيها كيف يظهرون أمام الفضائيات بعد ان تتعرّض بلدانهم الى كارثة او عمل ارهابي.
  من أين جاءت تلك السيدة التي تقود بلادا هادئة كنيوزلندا ثم تصحو على وقع جريمة قتل فيها العشرات في مسجدين هادئين على يد متطرف صلف. 
    بملابسها السوداء وتسريحة شعرها وبساطتها وحضورها الرائع كضيف يشعر بتقصيره امام مضيفيه، بدت رئيسة نيوزلندا. كانت في عيني كراهبة أرعبتها فكرة الموت بهذه الطريقة. كانت تسير بحذر وكأنَّ في اعماقها حزنا يقيد اقدامها. بالكاد كانت تمشي لأن روحها امتلأت بألم الموت الذي عاشه الضحايا.
  أي تمرين سياسي يمكن ان يترك آثاره على المسؤول اذا اراد ان يفتعل الحزن. ببساطة الحزن الداخلي لا يرتبط بحادثة خارجية. انه نشاط عميق لا يتوقف يشعر به الانسان كما لو كان احد افعاله اليومية كالتنفس.. ثم تأتي المصائب الخارجية لتفجيره فيرتسم على الجسد بوضوح. هذا يعني أن الرئيس أيّاً كان هو اكثر الاشخاص تعرضا لتجربة الحزن الداخلي هذه. لكن هناك شرط مهم لا بدَّ أن يتوفر في شخص الرئيس كي يصبح شفافا كراهبة نيوزلندا, وهذا الشرط هو: أن يدرك الانسان الرئيس المسؤول ضعفه من الداخل. في هذه الحالة سيشع الحزن الداخلي بعد اية حادثة مفجعة يصاب بها البلد.
  إذن تلك المرأة الراهبة ارسلت رسالة بليغة بحضورها الحزين انها رئيسة انكسرت نصفين ازاء حادثة قتل المسلمين في بلدها. ظهورها الدافئ بهذا الشكل أقنعنا أنها تعاطفت مع الضحايا بلا جبروت القصر الرئاسي. كانت أنثى تبكي من الداخل بصدق واضح. لقد خلقت لنا جوا عاما انها حزينة بصدق. ان حزنها ليس رئاسي الطابع بل هو حزن إنسان عرف فلسفة الضعف بمعناها الحقيقي.
  في مقابل تلك الراهبة لم أعثر على حزن حقيقي بعد وقوع حادثة العبارة في الموصل يوم 21 اذار وهو يوم ربيعي جميل. العشرات من الاطفال والنساء والشباب قضوا بعد انقلاب عبارتهم التي صعدوها للوصول الى الضفة الاخرى من المدينة السياحية. حادثة قاسية جدا ما زالت تداعياتها قائمة.
  لكن كيف كانت ردود الافعال؟, وكيف كان حضور الحزن الشفاف على اجساد هذا المسؤول او ذاك؟. بغض النظر عن اي شيء توقفت كثيرا عند صور المحافظ التي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي. لم يكن هناك ذاك الانكسار لشخص يعرف حجم المرارة لمدينة خرجت محطّمة من حرب تحريرها من يد تنظيم داعش.
  كنت انتظر أن أرى درسا انسانيا مباشرا يشعرنا بقوة حضور الفاجعة. كنت أبحث عن تلك المشاركة في الألم كمعذب شعبي يتعرض له الابرياء دائما ويدفعون ثمنه موتا وحرمانا. كنت أنتظر حضور الراهبة في جسد مسؤول عراقي.