د. كريم شغيدل
في الأسبوع الماضي كتبنا عن مأساة حلبجة، مثلما كتبنا في مناسبات عديدة عن مآسي المقابر الجماعيَّة والحروب والمجاعات والأنفال وسنجار وسبايكر وجرائم التفجيرات الانتحارية وغيرها من مختلف النكبات التي مرت بحياة شعبنا وما أكثرها وأقساها!، واليوم نكتب عن ضحايا جدد، ونكبة جديدة هي غرق نحو (100) شخص بين طفل وامرأة وفتاة وشاب، أرادوا أن يحتفلوا بعيد الربيع بعد طول حزن وظلام، ومثلما حرم أهالي حلبجة وأطفالها من نوروزهم في المجزرة الشهيرة، حرم أهالي الموصل وأطفالهم، بل جميع أهل العراق من عيد الربيع، ولا نملك إلّا أن نعزي عراقنا الجريح بهذا المصاب الجلل، فالموصل لم تندمل جراحها بعد، ولا ينقصها أن يعكر الموت صفو أعيادها.
من الطبيعي أن يكون سؤالنا الأول: من المسؤول عن ذلك؟ والإجابة لا بدَّ أن تكون صريحة وواضحة، لأن الأمر يتعلق بحياة مواطنين أبرياء، ومن الطبيعي ألّا نبرئ أحداً، وإن كانت إدارة الجزيرة هي المسؤول المباشر، وهنا من حقنا أن نسأل عن مدى تطابق شروط السلامة مع ما كانت عليه العبّارة؟، وعن مدى الالتزام بتلك الشروط، وهل الجهة المسؤولة عن شروط السلامة مؤدية لواجباتها؟، متى تم فحص العبارة آخر مرة؟، وهل تمتلك الجهة المعنية تقارير بذلك؟، أين دور الأجهزة الرقابية؟، لا سيما دائرة السياحة والآثار، لا نسأل عن ضمائر ولا نردد شعارات، بل نضع أسئلة فنيّة أمام المعنيين، هل هناك علاقة لغرق العبارة بمنسوب المياه؟، هل شروط الاستثمار مطابقة للأسس الفنية وتعليمات وزارة الموارد المائية؟، هل قام المستثمر بالتأمين على مشروعه؟، وهل التأمين شرط للاستثمار أم لا؟، وإذا كان المشروع مسجلاً، ما الذي فرضته شركة التأمين من ضوابط الأمان؟، وهل تأكدت من تحقيق ذلك؟.
لنفترض ان المواطنين تزاحموا وتدافعوا لركوب العبارة، ما دور الحراس الأمنيين؟، وما دور الإدارة، ألّا يفترض الالتزام بالعدد المقرر؟، ومنع الزخم حفاظاً على أرواح الناس، الجميع يعلم بأن الموصل تحتفل بهذا اليوم بصورة استثنائية، وفي هذه السنة كانت أحوج للاحتفال والفرح والخروج من أجواء الحزن التي تلبّدت بها المدينة منذ احتلالها من قبل عصابات داعش حتى تحريرها، ألا يفرض ذلك على الدوائر المعنية أن تتحرز وتحسب لهذا اليوم ألف حساب؟، فمن لم يتوقع ذلك الزخم فهو ليس أهلاً ليحتل مكاناً في موضع المسؤولية.
إجراءات الحكومة ومجلس النواب سليمة حتى هذه اللحظة، فبعد إقالة المحافظ ونائبيه، هناك قرارات مشتركة بين مجالس النواب والوزراء والقضاء على إحالة المسؤولين عن الحادث ليأخذوا جزاءهم العادل، مع اعتبار الضحايا شهداء، ومراعاة ظروف أهاليهم وحقوقهم، وإحالة جميع قضايا الفساد في الموصل للقضاء، وحصر ملف الأمن بيد القائد العام للقوات المسلحة، والإسراع بإعادة إعمار البنى التحتية والتعويضات وإنهاء حالة النزوح وغير ذلك، ونحن بالانتظار.. تلوح لنا أكف الضحايا قائلة: انقذوا ما تبقى من حضارة نينوى وتاريخها وأعيادها، ومن تبقى من ناسها الأصلاء.