العشوائيات السكنيَّة.. مشكلة بانتظار الحلول

آراء 2019/04/03
...

صادق كاظم
أكثر من 3000 عشوائيَّة سكنيَّة وحدها في العاصمة بغداد يسكن فيها أكثر من 3 ملايين نسمة بحسب إحصائيات وزارة التخطيط التي ظهرت مؤخراً وهذا الرقم صادمٌ لنا, إذ يؤشر الى أنَّ أكثر من ثلث سكان العاصمة بغداد يقيمون في منازل غير صالحة للسكن ويقيمون في تجمعات سكنية لا تتوفر فيها أبسط وسائل العيش الكريم وغالبيتهم من العاطلين عن العمل ويقومون في بعض الأحيان بوظائفٍ وأعمالٍ هامشيَّة لا تتطلب مهارات أو مستوى تعليم مرتفعاً. خارطة انتشار هذه العشوائيات تتوزع بين الكثير من ضواحي العاصمة وأطرافها والعديد منها في بعض الأحيان يقعُ بالقرب من دوائر حكوميَّة رسميَّة، وأحياناً بداخلها وهي تشكل أحزمة من البؤس والفقر الواضحين, فضلاً عن أنها تشكل ضغطاً خدماتياً على أحياء العاصمة, إذ يتم التجاوز على الخطوط الناقلة للمياه والكهرباء وغيرها، فضلا عن المشاكل الأمنية الناتجة عن وجود بؤر للجرائم في تلك المناطق الناتجة عن ارتفاع معدلات البطالة فيها.
الحلول المقدمة لإيجاد حل لتلك المشكلة والتي ظهرت على شكل برنامج حكومي يمثل خطوة إيجابيَّة بحاجة الى آليات لتفعيلها على أرض الواقع، خصوصاً أنها تضمنت توزيع قطع الأراضي بين الساكنين في تلك العشوائيات وضمن مساحات محددة وبأسعار رمزيَّة, لكنَّ السؤال هنا هو هل تم وضع قاعدة بيانات بأسماء وأعداد هؤلاء السكان فعلاً, وهل تمَّ فرزُ القطع السكنيَّة التي سيتمُ توزيعها بين المستحقين وبشكل يغطي أعدادهم الكبيرة والمواقع التي ستكون فيها، وهل تمت تهيئة البنى التحتيَّة لهذه المناطق التي سيتم استحداثها وربطها بشبكة الطرق والمواصلات المحيطة بالعاصمة إذا كانت عند الأطراف, إضافة الى ضرورة تأهيل سكان المناطق العشوائيَّة من خلال فتح دورات تأهيليَّة لتعليمهم ممارسة بعض المهن الحرفية التي تساعدهم على ممارسة المهن المفيدة للمجتمع وضمان عدم تحولهم الى أشخاصٍ عاطلين عن العمل.
مشكلة العشوائيات هي مشكلة قديمة أنتجها النظام الدكتاتوري السابق الذي أهمل خطط بناء الوحدات السكنية للمواطنين بسبب الحروب المتواصلة التي كان يجيد إشعالها, إذ غابت مثل هذه المشاريع والتي حلت محلها خطط الحروب والدمار التي أفقرت الشعب العراقي, لينتظر العراقيون مرور أكثر من 30 عاماً قبل أن يرى النور أول المشاريع السكنية والتي جاءت وللأسف مرتفعة الثمن وبشكل لا يستوعب الطلب المتزايد على المساكن.
العشوائيات تفاقمت ونمت بشكل غريب بعد العام 2003, إذ ارتبط قسمٌ منها بنزوحٍ كثيفٍ من المحافظات صوب العاصمة بحثاً عن وظائف وفرص عمل, إذ كان المشهد مزدحماً بعددٍ كبيرٍ منها قد كانت تغطي أغلب الفضاءات الحكوميَّة الفارغة, إضافة الى الدوائر الحكوميَّة نفسها. قبل أنْ تتراجع وتتقلص الى الرقم 1000 بعد أنْ كانت تناهز الخمسة آلاف على الأقل. وهناك أعدادٌ مماثلة في مختلف المحافظات العراقيَّة الأخرى وبشكلٍ لا يقلّ مأساوية عن الظروف التي يعانيها مختلف سكان العشوائيات.
لقد عانى العراق في أواخر أربعينيات القرن الماضي من ظاهرة مماثلة وخطيرة, إذ نزح الآلاف من سكان المناطق الجنوبيَّة هرباً من ظلم الإقطاع ليعيشوا في عشوائيات سكنيَّة خلت من أبسط مظاهر العيش، قبل أنْ يتصدى الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم لهذه الظاهرة ويعمل على استيعاب سكانها في أحياء جديدة وفي غضون مدة زمنية بسيطة أصبحت اليوم جزءاً أساسياً من العاصمة.
حل المشكلة يزيحُ عن كاهل الحكومة والأجهزة البلديَّة عبئاً كبيراً, إذ إنه سيخلي مواقع ومساحات كان من المخطط لها أنْ تكون مدارس ومستوصفات ومواقع خدميَّة أخرى ظلت معطلة طوال السنوات السابقة ويعيدها الى حيز التنفيذ من جديد, فضلاً عن أنَّ قسماً منها يشوهُ منظر العاصمة والأحياء القريبة منها, علاوة على أنه يمنح هؤلاء السكان المهمشين شعوراً بالكرامة والعيش الكريم وأنْ يصبحوا أفراداً صالحين في المجتمع وليسوا عبئاً عليه.. وهي حلولٌ بالإمكان الوصول إليها لو توفرت الإرادة ووجود الأجهزة الحكوميَّة التنفيذيَّة الكفوءة التي بإمكانها تحويل الخطط بشأًن العشوائيات الى واقعٍ جميلٍ لا تشوهه أو تعطله البيروقراطيات الإداريَّة والمزايدات الرخيصة وأذرع الفساد التي ترغبُ في استمرار الأزمات وبقائها من أجل أنْ تحصد لنفسها مغانم تكون على حساب المواطنين ومعاناتهم وصبرهم.