عقد المؤتمر في ظرف عربي حساس جداً، واستجابة لتحديات كبرى، ولمواقف دولية تقتضي مواقف مضادة، ولمعالجات ينبغي أنْ تتجاوز ما هو نمطي ومكرر وبارد كما هي العادة في مؤتمرات القمم العربية، فبعد مواقف الرئيس الأميركي رونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، والاعتراف بأن الجولان السورية المحتلة هي أرضٌ إسرائيلية بالتقادم والتبعية، فضلاً عن قضايا أخرى تخص أزمات عربية تحصد آلاف البشر، وتقوّض أفق الحلول السياسية، والمعالجات التنموية لمشكلات الفقر والجهل والمرض والعنف والكراهيَّة، وما يُتعبها من هجرات اللجوء القسريَّة، والتي جعلت من العرب يشكلون الرقم الكبير في مدونات المنظمات الدوليَّة.
كلمات الافتتاح التوصيفيَّة وضعتنا أمام مشكلات عامة، وأحياناً أمام مشكلات خاصة، ودون الحديث عن أسبابها، وهو يعني وضع الجميع أمام مسؤوليات جسام، تاريخية وقومية واخلاقية، لكن دون تحديد أطر واضحة لمعاينة مستقبلية لتلك المشكلات، أو حتى وضعها في سياق زمني أو إجرائي، وبعيداً عن لعبة المطاحنة السياسيَّة التي تعيش أوارها عديد الدول العربية، والتي تناست لفرطها واجبات مواجهة تلك المشكلات الكبرى، عبر صياغة أطر دبلوماسيَّة واضحة، وعبر مواقف شجاعة تدفع الآخر لمراجعة مواقفه الآخذة بالتغول، وفرض خطاب سياسة القوة على الواقع، وربما الدفع باتجاه تعطيل معالجة قضايا إنسانية كبرى كالتي يعيشها الشعبان اليمني والسوري..
الذهاب الى اللاأين..
قد يكون هذا التوصيف هو المسار الذي يميل الى اختياره المسؤولون العرب، فخطب الافتتاح ذات الجرعات السياسية العالية لم تطرح حلولاً واقعيَّة، ولم ترسم أفقاً لوعي علاقة هذه الحلول بالمواقف، وبالإجراءات، فالجميع تحدث عن قضايا، وعن حلول تخصّه، وعن مواقف لا تذهب بعيداً عن مرجعياته، وتحالفاته، وعن تصوره الأمني والجيوسياسي لمصالحه، ولعلاقة ذلك مع المصالح الدولية التي تعيش رهابها، في الوقت الذي كرست فيه تلك الخُطب القضية الفلسطينية بوصفها قضية خطاب، وليس كقضية تاريخ، حيث تموضعها في سياق مصالح هذه الدول مع الولايات المتحدة، وهو ما يعني عدم قدرتهم على مخاصمة الرئيس ترامب في مواقفه، وفي نظرته للحلول السياسية، والتي تنطلق من الفكرة الهيغلية القديمة القائمة على الاعتراف والتمثيل والمجاهرة بهما، لأنَّ السيد القوي هو الذي يقترح العلاقة مع الآخر، وهو الذي يحدد مسارها، وسياقاتها..
اللاين ليس هو المجهول هنا، بل هو وضع التاريخ في المتحف، والذهاب الى جغرافيا متخيلة، والى تاريخ أقل عنفا، واكثر تعبيرا عن فكرة الاعتراف بمعطيات الواقع الذي ترسم حدوده الولايات المتحدة عبر فرض علاقة اسرائيل اليهودية بالآخرين، والذي يعني في الجوهر تغييراً سياسياً وديموغرافياً للمنطقة، إذ يقوم على إدماج إسرائيل في نظامها وفي أسواقها وفي برامجها الرياضية والاجتماعية والثقافية، والبحث عن عدو آخر يمكن توصيفه وتأطيره، وإخضاعه الى سيناريوهات الحرب الباردة التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا بعد الحرب العالمية الثانية، وانتهتها بعد إنهاك (السوفيت) في اوهام الحروب الافتراضية النووية..
العراق والأفق القادم..
طبيعة هذا المؤتمر هو استباقه بلقاءات ثنائيَّة وثلاثية بين الحكام العرب، والتي ارتبطت باستحقاقات اقتصادية وأمنية، وحتى سياسيَّة، والتي امتصت في اجراءاتها ما كان ينبغي للحكام العرب أنْ يقوموا به في مؤتمرهم العام..
العراق السياسي ليس بعيداً عن العراق الاقتصادي، وربما ستكون هذه العلاقة هي الأفق الذي سيساعد عديد الدول العربية المأزومة في مشكلاتها على معالجتها، وعلى دفع العراق لأنْ يجعل من (حياديته) مجالاً لمساعدة تلك الدول، أو حتى للقيام بوظيفة الدبلوماسية الثقيلة، لكن السؤال: هل نملك القدرة على ممارسة هذه الوظيفة؟ وكيف سنمارسها ونحن نعيش واقعاً سياسياً مضطرباً؟
ربما يكون هذا الموقف بدفعٍ أميركي، أو لوضع العراق الباحث عن الأمن السياسي والأمن الاجتماعي أمام اضطرابات تلك الدول المتورطة بحروب وصراعات، تجعلها عاجزة عن مواجهة أزماتها، وعن دعم القضايا القوميَّة كما هي القضية الفلسطينية، أو حتى الموافقة على مقاربات واقعيَّة لقضايا الأمن القومي العربي، وعلاقة ذلك بالدول الإقليميَّة الكبرى مثل إيران وتركيا، والتي اجتهد أمين عام الجامعة العربية وعديد الحكام العرب أو من يمثلهم في شتم هاتين الدولتين، وفي وضعهما في سياق الأعداء الجدد للأمة العربيَّة..