نوزاد حسن
نسمعُ كثيراً عن الاحتباس الحراري ويقصدون به التغيرات المناخيَّة الجارية والتي بدأنا نشهد بعض نتائجها في هذه السيول التي تضرب بعض دول الجوار. ولو أردنا أنْ نصف سلوك الطبيعة هذه الأيام لقلنا إنها طبيعة تسخر منا. مثلاً العام الماضي كنا نعاني من مشكلة مائيَّة, وكانت البصرة أكثر المدن تضرراً من العطش وقلة حصولها على الماء. وها نحن نرى اليوم أنَّ ثماني محافظات معرضة للغرق ومنها البصرة. هذه اللوحة الغريبة تفرض إيقاعها علينا, وعلى الجهات المعنية العمل لتقليل أضرارها قدر الإمكان.
إذنْ الاحتباس الحراري هو في الحقيقة سلاح الطبيعة الجديد الذي علينا أنْ نتجهز له, وإلا فإنَّ الخسائر في الأرواح والممتلكات لن تكون قليلة.
لكنْ ما علاقة كل ما قلت بالسياسة؟ في رأيي إنَّ العلاقة وثيقة جداً ذلك لأنَّ السياسة عندنا تعاني هي الأخرى من احتباس حراري بدأت عواصفه تضرب العرف السياسي المتبع بعد 2003.
في الانتخابات الماضية الأخيرة كنا نعتقد أنَّ المحاصصة راسخة, ولن تتزعزع أبداً. كنا نظن أنَّ الكتلة الأكبر هي من ستشكل الحكومة. وكنا نتحدث عن معنى الكتلة الأكبر هل هي الكتلة الفائزة أم الكتلة التي ستظهر الى الوجود بعد الفوز في الانتخابات وتتشكل تحت قبة البرلمان.
كان منطق المحاصصة يفرض نفسه على جميع القوى السياسية. لكنَّ ما حدث كان مفاجأة غير متوقعة حين ظهرت في البرلمان كتلتان تقول كل منهما أنا الكتلة الأكبر. وهنا حدث كلامٌ كثيرٌ انتهى بالاتفاق على الإتيان برئيس وزراء مستقل, ووقع الاختيار على رئيس الوزراء الحالي. لا أعرف كيف تجاوزنا هذه اللقطة السياسيَّة الجديدة، وأعني بها بروز كتلتين ونحن اعتدنا على كتلة واحدة, ولم نفكر في هذا التطور الجديد والمهم. لم يكنْ هذا الأمر ملفتاً لانتباهنا أبداً. وكم كنت أتمنى لو أني توقعت أنَّ الانتخابات ستفرز كتلتين لا كتلة واحدة. ومع ذلك أمطرت غيمة الكتلتين فحصلنا على هذه الحكومة. لذا يمكنني القول إنَّ تغيراً ما حصل على قطار السياسة البطيء الذي كان يمتلئ بكتلة تقررُ ما تقررُ ولعب الاحتباس الحراري السياسي لعبته, ووضعنا أمام خيار لم نتوقعه.
تكرر الأمر مرَّة أخرى، إذ تدخل هذا الاحتباس ليغير من واقع كونكريت المحاصصة. فبعد غرق العبارة, وفقدان العشرات في مشهد مؤلم، سقط المسرح السياسي الموصلي على رؤوس الحكومة المحلية هناك. أقيل المحافظ ونائباه. واعتقل المستثمر وبعض المهندسين ومسؤولي بعض الدوائر في المحافظة. اللقطة الأبرز في هذه المحنة هي تشكيل خلية أزمة برئاسة الدكتور مزاحم الخياط ترتبط برئيس الوزراء. لم أكن أعرف أنَّ هذا الرجل هو طبيبٌ بارعٌ وله خبرة كبيرة في عمله, وهو عاشقٌ لهذا الوطن لأنه فضَّل البقاء على الرحيل. هذا ما قرأته عنه. هذه التغييرات المهمة حصلت من دون أنْ يتوقعها أحد. لكنَّ الاحتباس والمأزق السياسي لا بد أنْ يقع فيسقط من يسقط بسهولة. إنه تغير جديد لا يختلف عن تغير المناخ في شيء.