كلامٌ تحت المطر..!!

آراء 2019/04/05
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي 
مطر... مطر... مطر... سيعشبُ العراقُ بالمطر..
هكذا تغنّى السياب بالمطر في أنشودته التي حملت اسم المطر، ومغازلة المطر لم تقتصر على السياب، إنما سبقه وتبعه الكثير من الشعراء والعشّاق والمطربون الى التغني بالمطر، ولكن في المقابل، هناك من يتطيّر من المطر ويكتئب كثيراً عندما يرى السُحب تتجمع في كبد السماء، رغم إدراكه أنَّ الحياة من دون المطر سيكون مصيرها الذبول، ولكنَّ المشكلة، إنَّ الذين يخشون المطر إنما لهم أسبابهم، فلنأخذ مثلاً النازحين الساكنين في المخيمات وحجم معاناتهم مع المطر، فمثل هؤلاء يواجهون ظروفاً صعبة ومعقدة عندما ينهمر المطر، والحال ذاتها ربما تنسحب على مناطق السكن العشوائي، هذه المناطق التي تفتقر لأبسط الخدمات، ومنها شبكات تصريف مياه الأمطار، وهنا نتحدث عن الأمطار الطبيعيَّة التي تتساقط خلال فصل الشتاء، في زمن غاب فيه المطر خلال السنوات الماضية، الأمرُ الذي عرّض البلاد الى أزمة جفاف في الصيف الماضي، وراح البعض يتحدث عن أننا مقبلون على جفاف مدقع سيحيل حياتنا الى يباب، يرافق ذلك شروع الجارة تركيا بملء سد اليسو وتقليل كميات المياه الواردة الى العراق عبر حوض نهر دجلة، لذلك عشنا في الصيف الماضي حالة رعب وقلق من احتمال جفاف نهر دجلة، وتعرض البلد الى أزمة مياه حادة، ولكنْ الحمد لله مرّ الصيف بهدوء من دون عطش، إلا أنَّ القلق بقي يساورنا، على مستقبلنا المائي، وما تخبئه لنا الأقدار لنا في هذا الأمر.. ولكن في هذا الشتاء تغيّر الموقف تماماً، إذ لم تكن الأمطار طبيعيَّة أو كما هو متوقع، فبدلاً من أنْ نذهب باتجاه حفر الآبار أو شراء خزانات كبيرة وملئها بالمياه!!، 
جادت علينا السماء بمائها الذي انهمر بنحوٍ لم تشهده السنوات الماضية منذ العام 2013 على ما أعتقد، إذ تعرضت مناطق العراق كافة الى أمطارٍ غزيزة جداً استمرت لعدة أيام، تسببت بالكثير من الأضرار، لا سيما للأسر الساكنة تجاوزاً في أحواض الأنهر بعد جفافها خلال السنوات الماضية، فضلاً عن تعرض بعض المناطق الى الغرق إما بسبب غزارة الأمطار، أو نتيجة رداءة شبكات المجاري، ناهيكم عن الصعوبات والمتاعب التي سببتها الأمطار للنازحين وسكان
 العشوائيات.
ولكنْ في المقابل، وبعد الموجة الأخيرة من الأمطار التي شهدتها أغلب مناطق البلاد، يمكن للمراقب أنْ يسجل جملة من الملاحظات الإيجابيَّة التي أفرزها سقوطُ الأمطار .. ولعلَّ أولى هذه الملاحظات هي إعلان وزارة الموارد المائيَّة أنَّ العراق أمّن وضعه المائي بشكل كامل للسنتين المقبلتين، سواء كان للاستهلاك أو السقي أو التوازن البيئي، ومثل هذا الأمر سيعطي الوزارة مساحة جيدة لتنفيذ بنود ستراتيجيَّة الأمن المائي التي تتضمن إنشاء مجموعة كبيرة من سدود حصاد المياه في المناطق الغربية والشرقية من البلاد، وكذلك بناء سدود جديدة وتأهيل وتوسيع السدود القائمة، إذ تتحدث الوزارة عن إمكانية إكمال مشروع سد بخمة العملاق، فضلاً عن تبطين الأنهر والتحول نحو الأساليب الحديثة في الري للحد من هدر المياه وزيادة رقعة الأراضي المزروعة، كما يمكن ملاحظة ان مساحات واسعة من الأهوار غُمرت بالمياه 
بنسبة  100 % وأغلبها بنسبة80 %، ما يعني أنَّ حياة جديدة ستبدأ في تلك الأهوار التي كانت مهددة بالجفاف في الصيف الماضي، ما يجعلها عرضة لرفعها من لائحة التراث العالمي، وفي الوقت نفسه، ارتفعت نسبة العذوبة في مياه شط العرب بمستويات عالية وانحسار اللسان الملحي الذي كان يتلمض مهدداً أبناء البصرة بالعطش الدائم، أما الآن فبات واضحاً ارتفاع مناسيب المياه الصالحة للاستهلاك في الشط، بعد إخضاعها لمعالجات
 بسيطة.
ومن الملاحظات التي سجلناها أيضاً، وجود ذلك التنسيق العالي بين مؤسسات الدولة كافة، سواء الاتحاديَّة أو المحليَّة، وتواجد الكثير من المسؤولين (رئيس الوزراء، الوزراء، المحافظون، وكلاء الوزارات، المديرون العامون) في الميدان، الأمر الذي أسهم في معالجة الأزمة أولاً بأول، وخصوصاً بعد تشكيل خلايا أزمة في الكثير من الوزارات ومنحها صلاحيات كافية، حتى مرَّت الأزمة بأقل الخسائر، وأيضاً يمكننا أنْ نسجل هنا فعالية هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي التي استطاعت أنْ تتابع متغيرات الطقس أولاً بأول، وتصدر بياناتها عن الحال الجوية، ما أتاح الفرصة أمام الجهات المعنيَّة لاتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب.
ولكنْ مقابل ذلك، فإنَّ البعض من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، سعت الى زرع الرعب في نفوس الناس من خلال تهويل المشهد والتقليل من دور وأهمية الإجراءات الحكوميَّة التي نجحت في السيطرة على الموقف، ومما يؤسف له ايضاً تعرض فريق الجهد الهندسي لدرء الفيضان التابع لوزارة الموارد المائيَّة في محافظة ميسان والقوات الأمنية المرافقة له أثناء قيامهم بفتح مسالك المياه لتصريف الموجة الفيضانيَّة الى مناطق الأهوار الوسطى الى هجومٍ مسلحٍ بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة من قبل المتجاوزين على أراضي الهور خلف السدة الاحترازيَّة، ما أدى الى استشهاد ضابط برتبة نقيب وإصابة أحد أفراد الشرطة
 بجروح بليغة.
وعلى العموم، إنَّ “أزمة” الأمطار، إنْ أسميناها أزمة، كشفت لنا عن مواطن القوة والضعف في مستوى الأداء الحكومي، وتعامل المواطنين وموقف الإعلام، بالتالي ينبغي الاستفادة من هذه الدروس في معالجة المشاكل التي سنواجهها في قابل
 الأيام والسنين.