عادل العرداوي
الأمسية الاستذكاريَّة التي أقامها المركز الدولي للموسيقى بالتعاون مع دائرة الفنون الموسيقية في وزارة الثقافة بقاعة الرباط، مساء الثلاثاء الموافق 13 / كانون الأول/ 2022 وحضرتُها أنا وشاركتُ بتعقيبٍ قصيرٍ فيها، وبقدر ما تمتعت كثيراً بمحاضرة الزميلة إسراء المرسومي التي ألقتها فيها عن أطوار الغناء الريفي مع التطبيقات العذبة والجميلة التي قدمها المطربون المشاركون فيها ومن بينهم يوسف الربيعي الذي يعدُّ صوته وأداؤه الأقرب الى طور فنان الريف الراحل داخل حسن، وحسين جبار، وعمار العربي وغيرهم، الذين أبدعوا وتساموا بتأديتهم لأطوار (الشطيت والحياوي والشطراوي والصبي والمحمداوي) وغيرها من الأطوار الأخرى والذين ذكرونا بأصوات أعلام هذا الفن الشعبي الأصيل أمثال الرواد ناصر حكيم وحضيري أبو عزيز وعبد محمد وجواد وادي وعبد الواحد جمعة ومجيد الفراتي وعبد الأمير الطويرجاوي وزهور حسين ووحيدة خليل وسلمان المنكوب وعبادي العماري، وأنعشت ذاكرتنا ولامست أحاسيسنا أبيات الأبوذية التي غنوها وبقيت محفوظة ندية في ذاكرة الزمن كما هي حال بيت الابوذية الذي صدحت به حنجرة ناصر حكيم في ثلاثينيات القرن المنصرم وهو لشاعرمجهول يقول فيه:
نحت والفوگ (وچره) هيمني
وعميت ولا اوچد هيمني
وحگ الله النوايب هيمني
خذن مني العزيز وگصن بيه..
هذا البيت المعبر وعشرات الأبيات الأخرى التي شدت بها حناجر المطربين وأطربتني وأطربت كذلك من استمع إليها حركت في داخلي هاجس الخوف على مستقبل هذا الفن الغنائي المحبوب المستمدة كلماته من تلك الأشعار المعبرة مثل (الابوذية والموال والدارمي والميمر والنايل والعتابه والسويحلي والتجليبه) الى آخر القائمة الطويلة، هذا الفن الراقي وواسع الانتشار بين طبقات المجتمع والمنتشر في أرجاء البلاد.
نعم خوفي عليه من الانحسار والاندثار والاحتضار، لأنه أصبح ومع شديد الأسى فناً منسياً جراء إهماله وعدم الالتفات إليه والى بقية (وشالة) رواده مادياً وإعلامياً ومعنوياً.
إذاً.. أين بيت الغناء الريفي الذي يفترض أنْ يحتضن البقية الباقية من رواد هذا الفن ويكون ساحة لاحتضان المواهب الشابة التي ترغب في أداء الغناء الريفي؟ وأين دور وزارة الثقافة المعنيَّة بالأمر تماماً؟، نحن هنا نذكرها بواجبها الوطني والمهني لتدارك وضعيَّة وواقع الغناء العراقي عموماً والغناء الريفي خصوصاً.
أين البرامج الريفيَّة الإذاعيَّة والتلفزيونيَّة التي تعنى بهذا الجانب الحيوي الذي يمثل عمق وأصالة التراث الغنائي الشعبي الذي حفر له موقعاً متميزاً في ذاكرة الناس كل الناس.. نحن نذكر ليس إلا، عسى أنْ تنفع الذكرى يا جماعة الخير.