عواطف مدلول
منحتها العطلة الرسمية المفاجئة، التي أعلن عنها بالامس لاسباب تتعلق بالطقس الممطر حتى مساء اليوم، فرصة التأخر لبعض الوقت بنومها وتناول فطورها على مهل، مع رغبة التخلي عن نمط الحياة الصحي الذي تتبعه بالتزام شديد، حيث استيقظت على صوت فيروز، الذي لا تمل منه أبدا لأنه يفتح شبابيك روحها بالتفاؤل والنشاط، ويجعلها أكثر حماسا في الإقبال على إنجاز مهام كثيرة بالبيت، لا سيما أنها قررت أن تكون مختلفة واستثنائية عن الأعمال، التي تقوم بها في الايام العادية أو حتى بالاجازات، وبنفس الوقت المباشرة بها بشكل عفوي دون تخطيط أو استعداد مسبق لها.
توجهت نحو المكتبة لتعيد ترتيبها وهي تفكر بنقلها وتغيير مكانها بمساعدة شقيقها الأصغر منها، أخذت تسحب الكتب واحدا تلو الآخر، وتقرأ عناوينها، محدثة نفسها: أعتقد أنني بحاجة لقراءتها مرات أخرى.
لأنها مدمنة على هذا الطبع حيث لا تستلذ بالكتاب الا أن تكرر قراءته، وتتساءل كم نحتاج من العمر حتى نكمل قراءة الكتب التي نحتفظ بها، وغيرها من التي نتمنى شراءها ولم يسعنا الوقت لتحقيق ذلك؟.!
أثناء محاولة فرز بعض الكتب سقط القاموس (الانكليزي العربي) وانقسم لنصفين، حملته سريعا كي لا تتبعثر أوراقه، حاولت أن ترممه وتلصق جوانبه معا، طالبة الإسعاف من والدتها، كي تعينها على ذلك، حيث كانت تقف بالمطبخ لإعداد طعام الغداء بموعده، لأن الاسرة كلها مجتمعة بالمنزل اليوم.
طالعتها بابتسامة ساخرة وعلقت: تعرفين لماذا تمزق القاموس؟
لأنك أهملتيه، ولم تقلبين صفحاته منذ مدة حتى من أجل كشف الحظ.
فأجابتها سريعا: القاموس وسيلة قديمة للترجمة، حيث يمكن الاستعانة بالغوغل ومواقع البحث الخاصة لذلك الغرض، اما السبب الثاني لأننا ما عدنا نهتم بقراءة حظوظنا كالسابق، فخبراء التاروت والمنجمين ملؤوا السوشال ميديا، وحتى هم لم نعد نثق بالتوقعات التي يتنبؤون بها لنا.
تسترسل بكلامها بعد أن اكملت إصلاح القاموس: تتذكرين عندما قرأت لابنة عمي حظها، وزعلت مني وغادرت بيتنا.. من يومها لم نرها، رغم أننا كنا نتسلى ولم أقصد الإساءة لها، لكنها كانت تتشاءم جدا من الكلمات السلبية.
جلست على مائدة الطعام وأعربت عن أسفها، لأنها لم تفهم الدرس حينها قائلة: فعلا اكتشفت أن الكلمات التي ننطقها أحيانها تتحقق، سواء كانت تقال بقصد أو بدونه، فسماعنا لها بوقت معين ليس صدفة، خاصة اذا كنا نؤمن بذلك الأمر، سرحت قليلا بأفكارها وهي تلتفت مقابل والدتها، التي عاودت الانشغال بتنظيف أواني الطبخ وتمتمت مستغربة: كنت أأخذ لنفسي (خيرة) وأنسى مضمونها بعد غلق القاموس، ولا أعلم هل أننا عندما نهمل التركيز على المفردات التي تنذرنا باحداث سيئة مقبلة علينا ولا يتعكر مزاجنا نعمة، ام بالعكس يعد ذلك غباءً منا؟.
أمسكت والدتها بيدها بلطف راجية منها أن تعيد الحياة للقاموس، لتقرا لها ما مكتوب فيه بعد أن أخذته منها، وفتحت إحدى صفحاته، وقد أضمرت النية في سرها حول أمر ما يقلقها.
ردت عليها: أوافق لكن بشرط أن تجهزي لنا قهوة سادة، كي يصبح لدي مزاج جيد يسهل تفسير معنى الكلمات وتفكيك إلغازها ورموزها.
كانت جلسة مليئة بالتشويق والإثارة تقاسمتا بها الفكاهة والمزاح والنميمة أيضا، ما دفع ببقية افراد الاسرة إلى الالتفات حولهما، والفضول لسماع ما يدور بينهما من أحاديث والتعقيب عليها حتى جاء والدها لينهي تلك الفوضى التي عمت بالمطبخ قائلا: أعتقد أن الغداء سوق يتأخر اليوم لأن النهار ضاع بالانشغال بالخرافات.
تفرق الجميع الا هي بقيت مع والدتها للاستعجال بطهي وتحضير الطعام قبل أن يحل الغروب.