نكران الذات

آراء 2019/04/06
...

حسين الصدر 
- 1 -
لو استعرضنا الصفات الحميدة والخصال الوضيئة في الإنسان، فإنّ (إنكار الذات) يتصدرها أهميةً ومكانةً...
 
- 2 -
إنّ إنكار الذات يرجع الى جذورٍ عميقة من النقاء والصفاء والتجرد من العلائق الدنيوية...
 
- 3 -
إنكارُ الذات يعني العلاقة القوية والصلة الوثيقة بين الإنسان وبين ربّه، المطّلع على خفاياه وأسراره، فضلاً عن أقواله وأعماله، والتوجه إليه وحده دون سواه لنيل رضاه، واكتساب جزائه.
 
- 4 -
نكرانُ الذات يُساوق التركيز على اللباب، والزهد في كلّ القشور وهو يعني بالجَوْهر وليس بالمظهر.
 
- 5 -
وعالَمُنا اليوم يغصُ بعشّاق المظاهر، المفتونين بذواتهم – وإنْ لم تكن تملك ما يبعث على الافتنان –
وهم بعيدون عن تنقية الأعمال من الشوائب التي تهبط بها الى السفح 
نعم 
إنّ الإخلاص والابتعاد عن كل ألوان الرياء والعجب يعدُّ من أثمن الكنوز...، 
وهو وفق المعايير السماوية والأرضية سرّ الأسرار في الشموخ والسمّو والرقيّ النفسي والإنساني.
جاء في التاريخ:
إنّ أحد الجنود في عهد (مسلمة بن بن عبد الملك) كُلِّفَ بحراسةِ ثغرة أحدثها المسلمون في سُور العدو.
{عُبّر عن الثغرة بالنقب} 
فتوّلى الرجل حراستَها بكل تفانٍ وإخلاص.
وحين أصبح الجيش كان ذلك الجندي قد فرّغ من إكمال الثغرة، وتهيئة الطريق للجيش للنفاذ عبرها الى حيث يريد، دون عناءٍ وبلا مشقة.
لقد كان ذلك عملاً عظيماً بالحسابات العسكريَّة..
وحين أُحرز النصر ورّفت رايتُهُ نادى القائد على الجنديّ صاحب الإنجاز ليكافئه ويجزل له العطاء.
فلم يُجبه أحد..!!
وفي ذات ليلة:
جاءه الجندي وقال له:
“أنا أعرفُ صاحب النقب، وهو يشترط عليكم ألا تذكروا اسمه في صحيفة الى الخليفة، ولا الى أحدٍ سواه، وألا تسألوا عن اسم أبيه، أو اسم قبيلته، وألا تأمروا له بمكافأة”
فأجابه القائد الى ذلك فقال له 
(أنا صاحب النقب) 
ثم ودّعَهُ وانصرف 
راجع النظام التربوي في الإسلام للمرحوم 
الشيخ باقر القرشي ص 434 
أرأيتَ كيف يكونُ نكرانُ الذات في أعلى صِيَغِه وأشكاله؟
لا يريد إذاعة اسمه، 
ولا يرغب بالإفصاح عن تفاصيل نَسَبِهِ وقبيلَتِه، 
ولا يقبل بأية جائزة أو مكافأة على عمله..!!
إذن ماذا يريد؟
يُريد رضا الله عنه، ويبحث عن الجائزة الربانيَّة فقط، مستغنياً عَنْ كلّ جوائز الدنيا الماديَّة.
إنّ هذا الجندي كانت تداعبه طيوفُ الجنّة فَبها قد تعلق قلبُه، لا بسواها من الأعراض الفانية.
وهنا يكمن سرّ العظمة.
 
- 6 -
وتسألني:
هل ثمة مِنْ مُنكرٍ لذاته في عالمنا المعاش؟
وأجيبُكَ:
نعم 
أنسيتَ أنّ الإمام الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر – رضوان الله عليه – استعد ان يكتب اسم (جماعة العلماء في النجف الأشرف) على كتابه (فلسفتنا) دون أنْ يُطبع اسمُهُ، ولكنهم اشترطوا إجراء بعض التغييرات التي لم يرتضها، فاضطر الى طباعتِه وهو يحمل اسمه فقط مجرداً عن كلّ الألقاب الفخمة والعناوين الضخمة التي تعارف الكبار على ذِكْرِها في
 مطبوعاتهم..
فسلام عليه يوم ولد، وسلام عليه يوم جاهد وأعطى مُنكِراً ذاته، وسلام عليه يوم استشهد وكان من الخالدين.