باسم عبد الحميد حمودي
يقابل تاريخ الوقائع والأحداث الرسمي المدون من قبل الدولة وأركانها الإعلاميَّة والثقافيَّة والدارسين الأكاديميين والمولعين بالتاريخ، تاريخ موازٍ آخر هو التاريخ الشفاهي الذي تتناقله الأجيال عن هذه الواقعة أو تلك.
وهو التاريخ الشعبي الخارج عن سلطة الدولة وقوى ذوي الياقات البيض (المثقفون والأكاديميون) ما لم يعتمد هؤلاء جزءاً من التاريخ الشعبي الشفاهي
المتداول.
وهناك بعض الوقائع الشعبيَّة التي قد لا تذكرها المدونات الرسميَّة عن حادثة سياسيَّة أو اجتماعيَّة لكنها تظلُّ تتناقل عبر الذاكرة الشعبيَّة الشفاهيَّة حتى يتهيأ لها من يدونها، لكنها تبقى في خانة التاريخ الشفاهي الشعبي.
مثال ذلك واقعة اجتماع زعماء العشائر في منطقة (المصيفي) وجدالهم ثم اتفاقهم على القيام بثورة العشرين بعد الاتفاق مع مثقفي وقادة النجف وبغداد وأركان حزب حرس الاستقلال السري الذي كان يتزعمه السيد محمد حسن الصدر.
وقد تسنى للأستاذ جعفر الخليلي دوماً العمل على تحويل الذكريات والخواطر الشعبيَّة الشفاهيَّة الى مواد مكتوبة ومنها ما كتبه من مذكرات عن شخصيات عراقيَّة كثيرة والأحداث التي عاصروها في سلسلته المهمة (هكذا عرفتهم) وقد استعرض فيه حيوات عددٍ من الشخصيات المهمَّة والأحداث التي صادفتهم وفي مقدمتهم
الذوات:
(السيد أبو الحسن الموسوي وعباس الخليلي وكاظم الدحيلي ومحمود الحبوبي وهبة الدين الشهرستاني) وعشرات الشخصيات التي لها تاريخٌ مهمٌّ وإسهامٌ كبيرٌ في الحياة العامَّة، وفي دراسته لتاريخ الجريمة الاجتماعيَّة وتفاصيلها في (كنت معهم في السجن) ودراساته على هامش ثورة العشرين.
وتأتي دراسة المغفور له أستاذنا جعفر الخليلي (آل فتلة كما عرفتهم) المنشورة عام 1936 من الدراسات النادرة في التاريخ الشعبي المتداول، وقد قام العلامة الدكتور عبد الرضا عوض بتحقيق هذا الكتاب الذي صدر في طبعته الأولى بتوقيعٍ مستعار.
كتب الدكتور عوض مقدمة مهمَّة لهذا الكتاب ووضع اسم مؤلفه الذي خاض في تفاصيل التراث الشفاهي في مناطق المهناويَّة والشاميَّة والديوانيَّة والسماوة وانتقالات وحروب القبائل وتحالفاتهم وصدامات الخزاعل مع آل فتلة وتحالفات القبيلتين وحكايات الأسلاف، الأمر الذي يعطي للأحداث نكهتها التاريخيَّة التي دونها الخليلي ونقلها من أحداثٍ مرويَّة الى مادة تاريخشعبيَّة
مدونة.
صدر الكتاب محققاً عام 2020 عن دار الفرات ليضيف للتاريخ الشفاهي الشعبي
الكثير.