د. سعد العبيدي
انتهى الخلاف القائم بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف بعزل الأخير، وإجباره على البقاء في البيت، في فترة زمنيَّة ضعفت فيها قدرة الأول على الضبط والسيطرة، عسكرياً وسياسياً، نتيجة التنحي القائم للزملاء العسكريين المشاركين معه في حركة الرابع عشر من تموز، وللتفرد بالقرار والعزوف عن الانتقال الى الديمقراطية في الفترة ذاتها التي أصبح فيها العسكر السياسي قوياً، وبرز على السطح بعض عوامل أخلت بالتوازن الحزبي في الجيش بينها:
- تناقص التأثير الشيوعي في القرار العسكري، وتناقص أعداد الضباط الشيوعيين القادة في المناصب العسكرية العليا بالمقارنة مع تزايد عدد الضباط المنتمين الى أحزاب سياسيَّة أخرى، وضعف سيطرتهم (أي الشيوعيين) على تلك المناصب ومن ثم فشلهم في ثني عبد الكريم عن الوقوف بالضد من تغيير مواقفه منهم وتنحيه عن دعم خططهم بعد أحداث كركوك الفوضويَّة.
- سعي عبد الكريم لإدخال ضباط قادة من تيارات قوميَّة عربيَّة مختلفة في مناصب عسكريَّة، لأغراض التوازن مع الشيوعيين، بنفس الوقت الذي وقع فيه الحزب الشيوعي في تناقض الموقف من قاسم على المستوى الأممي حيث الرغبة الملحة للسوفييت الوقوف معه، وقناعة القواعد العاملة للحزب في القوات المسلحة بعدم جدوى مسايرته، بل وضرورة الانقلاب عليه بحركة تصحيحية.. تناقضٌ أبقى الشيوعيين في حالة حيرة مقلقة، وأبقى قاسم في توتر وخشية الانقلاب عليه من قبلهم، فكوَّن بالمحصلة ثغرة بين الطرفين المتحالفين وجوباً. استفاد منها البعثيون والقوميون العرب الحاصلون على دعم خاص من جمال عبد الناصر وقوى غربية، والساعين الى توسيع خلاياهم التنظيميَّة في الجيش بعد تخرج بعض الشباب الحزبيين من الكلية العسكرية التي دخلوها مع موجة التوسع والانفتاح التي أعقبت انتهاء الحكم الملكي.
لقد فتح الشيوعيون العسكريون باختلافاتهم الحاصلة في ما بينهم لما يتعلق بالزعيم وخلافاتهم معه كما ورد أعلاه، ثغرة في الجدار الأمني للحكومة، استغلت للتخطيط الى تنفيذ انقلاب، على طريقة التوافق المصلحي بين عبد السلام، العسكري الطموح، الذي يرى نفسه متضرراً من نتائجها، الأحق في سلطتها، ويرى الفرصة سانحة للانتقام من الصديق الذي نحاه جانباً، وبين البعثيين المنظمين في الدوائر العسكرية، بلا رمز قيادي، الذين يرون عبد السلام مهيأ لقيادتهم، قادراً، باسمه وتاريخه، على تهدئة مخاوف الشارع، وتلطيف الأجواء المشحونة مع دول الإقليم، والتأثير في قيادات الجيش المطلوب رضاها وتأييدها لكل خطوة تغيير مقبلة. فكان هذا الاتفاق بينهما هو الأنسب لتنفيذ الأهداف المشتركة لكليهما على أقل تقدير، فجاء اتفاقاً حذراً، بنوايا احتواء مستقبلي مبيت على الأغلب من كلا الطرفين، دفع البعثيين الى التوسع في الاتصالات الجانبيَّة مع الأطراف العسكريَّة والتكتيل للقيام بفعل التغيير، ففتحوا بتنفيذه شقوقاً في هيكليَّة البناء العسكري، توسعت بالتدريج بعد تنفيذ انقلاب 8 شباط 1963، لتمهد الى سلسلة انقلابات.