بغداد: وائل الملوك
البحث عن الاستقلالية في السكن لم يكن هدفاً لدى كثير من الشباب الذين فرضت عليهم ظروف الحياة أو العمل، وربما أسباب اخرى عديدة العيش بمفردهم، أو حتى بشكل مجاميع بعيدا عن أسرهم، ومن النادر أن نجد من يختار ذلك الوضع بملء إرادته في مجتمعنا الا في بعض الحالات.
لعلها كانت أقسى تجربة مرت في حياة حلا جعلتها تتجرع مر الوحدة، حينما وجدت حالها بين جدران البيت، بلا صحبة أو لا أهل خلال أزمة كورونا، حيث تعرضها للاصابة بكوفيد- 19، وتطلب الأمر أن تعتمد على ذاتها في كل شيء، ذلك ترك آثارا سلبية في نفسيتها، اذ كلما تذكرت تلك الفترة شعرت برعبٍ وخوفٍ كبير من تكرارها مجددا قائلة: لا يمكن أن انساها أبدا، ومنها تعلمت درساً عظيما أن لا طعم للحياة من دون الاسرة، لذا تعبر حلا سعدي عن رفضها لكل انواع الاستقلالية بعيدا عن الاهل.
في حين يسعى نخبة من الفنانين الشباب وبعض ممن اكتسبوا شهرتهم عبر مواقع السوشيال ميديا لخوض تلك المغامرة والسكن بعيدا عن الأسرة.
حيث يؤكد الفنان امير النجفي: بدأت في مسيرة الفن وممارسة التمثيل منذ الصغر من خلال مشاركتي في الفعاليات المدرسية، وعشقي للمسرح كبر يوما بعد يوم، وبعد قبولي في معهد الفنون الجميلة اضطررت لمغادرة المنزل والقدوم إلى بغداد، والسكن وحيدا بدعم من جميع افراد عائلتي، لافتا إلى أن الاستقلال عن العائلة يعطيك قوة فرصة اكتشاف قدرتك على الاعتناء بنفسك، وكيف تنظم وقتك دون التقييد بجدول العائلة، والأهم يسهم في بناء شخصيتك من خلال العمل وايضا الدراسة والوصول إلى الحلم، مضيفا:من خلال تجربتي لا أجد مانعا لدى الشباب في تنفيذها، شرط المحافظة على القيم الاخلاقية التي رسخت فينا منذ
الصغر.
بينما أشارت معدة البرامج احلام زكي، إلى أن مراحل في الحياة تجبر الفرد على القيام بتغييرات عدة حسب الوضع الذي يعتاشه، فأنا من أهل كركوك بدأت التعايش مع زميلاتي في السكن الجماعي عندما كنت طالبة في الاعلام، وعند قبولي في فضائية عربية اضطررت إلى التنقل في بادئ الأمر إلى مقرها في اربيل واستاجرت مسكناً لوحدي، وبعد ترقيتي إلى مسؤولة قسم الاعداد انتقلت إلى بغداد، وأنا الآن أسكن في شقة بالقرب من مكان عملي، ولا أشعر بالوحدة، بالعكس ما مررت به خلال فترة حياتي زادني قوة وإصرارا على تقبل مختلف الظروف .
من جهته يصف الشاب علي عبدالله الوضع بالسكن بعيدا عن الاهل: قائلا بعد الايام الصعبة التي مررنا بها في جائحة كورونا، قلَّ العمل في محافظة الناصرية، مما اضطررنا انا وبعض الاصدقاء الانتقال إلى العاصمة بغداد والبحث عن عمل من أجل لقمة العيش لي ولعائلتي، ومبدأ الانعزال وعدم الاستقرار ظروف الحياة اجبرتنا عليه.
مبينا أن العيش في سكن جماعي ليس بالامر الايجابي كما يعتقد البعض، فمبدأ الراحة هنا يختلف عن وجودك بالقرب من العائلة، هذا إلى جانب قلة خبرة الطبخ لدينا نحن في المسكن، ووضع توقيتات لغسل الملابس، جميعها معاناة تفرض علينا عدم الاستقرار والراحة.
وعلى الرغم من ان هذه التجارب بدأ ظهورها مؤخرا في مجتمعنا العربي، لكنها في العالم الغربي اخذ التراجع عنها، فقد أشارت دراسة أجريت عام 2019 إلى أن نسبة الشباب في سن 23 عاما الذين يعيشون في منزل العائلة في المملكة المتحدة، وصلت إلى 49 في المئة، كما بينت دراسة أجرتها هيئة الإحصاءات السويدية إلى أن أكثر من 55 في المئة من الشباب السويديين ممن يعيشون وحدهم، تسببت ذلك لهم بأمراض نفسية، ما أدى إلى تزايد رغبة اغلبهم بالبقاء مع أسرهم.