يهوه يسرق لحية الملك دموزي والإله انكي

ثقافة 2023/02/07
...

  ناجح المعموري

 لم تشر لحية يهوه البيضاء الى هيبته ونقاوته الالوهية، لأنه كان إلهاً متهوراً وغير حكيم، واستعارته للحية إيل محاولا التماهي مع شخصيته القوية وإلوهته المتفرّدة، لكنه لم يستطع على ذلك وظل متفرّداً بعناصره الدموية وسلطته المستعارة، وبأبشع صورها من عدد كبير من إلهة الشرق المذكرة والمؤنثة ومن أجل التأصيل، لا بد من الاشارة إلى أن الإله الشاب دموزي/ تموز كان ملتحياً وحتماً، كانت لحيته سوداء وهي دالة على فتوته وحيويته وأضفت عليه جمالا ووسامة.

 لذا لم يخجل الإله اليهودي من تسلله وسرقته للحية الالهة السومرية ومنها دموزي/ تموز:

     هو الراعي الذي خلقه آن من أجلي 

     كم هي فاتنة لحيته! انه الملك! 

     كم هي فاتنة لحيته.

وواضح بأن اللحية علامة تميز بها الرعاة ومنهم الراعي/ الملك/ الاله الشاب دموزي. وظلت اللحية علامة رديفة للرموز الدموزية ومنها الثور الدال عليه، حيث اظهرت الاختام الاسطوانية في عصر فجر السلالات الثاني " 2800 – 2600 " ق.م. ومعروف بان الثور رمز للاله دموزي وانتقلت علامة دموزي "اللحية" إلى الثور – رمزه المتناوب وإيّاه في مرحلة فجر السلالات الثاني.

وما يهمنا في الختم الإسطواني، هو يمين المشهد حيث الاسد يهاجم حيواناً ذا قرون يشبه الثور وقد انتصب الاسد على قائمتيه الخلفيتين وأرخى ذنبه الى الاسفل، بينما رفع قائمتيه الاماميتين الى الأعلى وقبض بهما على الحيوان المقرن وأمال رأسه نحو رقبة الحيوان ليفترسه ونرى الحيوان وقد أدار رقبته الى الوراء محاولاً التخلص من قبضة الاسد. ونشاهد الرجل الثور وهو يهاجم الاسد من الوراء لإبعاده عن الحيوان المقرن محاولاً إنقاذه، ويعلو رأسه التاج المقرن وله لحية تنسدل الى صدره ويلف خصره نطاق ثلاثي.

ويسار المشهد - في الختم الإسطواني أيضاً - نرى الرجل الثور تنسدل خصلات شعره من تحت غطاء رأسه المقرن وله لحية تصل إلى الصدر وقد لف خصره بنطاق ثلاثي ورفع يديه ليصارع ثوراً ملتحياً انتصب على قائمتيه الخلفيتين ورفع قائمتيه الاماميتين ليهاجم بهما الرجل الثور الذي قبض بيده اليسرى على قائمة الثور اليسرى، بينما مد يده اليمنى ليمسك بالثور من منطقة الحنجرة. ونشاهد الثور وقد أدار رأسه الى الوراء محاولاً التخلص من قبضة الرجل الثور، وفي أسفل المشهد نرى شكلاً غير واضح بين ساق الرجل الثور وقائمة الثور الملتحي.

 وما يدعم القراءة الخاصة باللحية كعلامة على الحكمة والعقل ووجود الاله انكي/ أيا ملتحياً، وهو إله معروف بحكمته وفطنته واكدت هذا العنصر الكثير من الاساطير منها ملحمة جلجامش حيث أفشى سر الطوفان لإنقاذ البشرية، كذلك وصاياه المعروفة لأدابا قبل صعوده الى السماء للقاء الاله آنو، وفي الوقت الذي كانت فيه لحية دموزي علامة لأناقته وشبابه، كانت عند الاله انكي علامة لحكمته، حيث كانت واحدة من خصائصه المعروفة جيداً. بينما استعارها الإله اليهودي في محاولة منه لحيازة خاصية الاله انكي/ ايا، لكنه لم يستطع على ذلك ويضيء لنا الشكل [انكي] في مشهده الثاني وجود حيوانين في الفراغ، وهو مشهد ديني، حيث الاله [انكي/ ايا] جالساً على مقعد بلا مسند، ويضع على رأسه تاجاً مقرناً [ثلاثة أزواج من القرون] وله لحية طويلة تصل إلى الصدر، وشعره ملموم وراء رقبته، ويرتدي ثوب الالهة المهدب وقد مد يده اليمنى إلى الأمام ورفعها قليلاً ليحيي إلهاً يقف أمامه بينما مدّ يده اليسرى بجانب خصره وقد انحدر منها مجريان للماء يصلان الى قدميه.

وإيل: هو إله السماء لدى السوريين، ورئيس مجمع الالهة، ويعادل آنو في بلاد الرافدين. عبده العبرانيون في بدايتهم. وورد اسمه تبادلياً مع "يهوه" في أكثر من موضع في العهد القديم، وهو أصل اسم "إيلوهيم" المستعمل تبادلياً مع يهوه.

انتقل هذا التأسيس للحية كعلامة ثنائية الدلالة مع الإله الشاب دموزي/ تموز وإله الحكمة انكي/ ايا، بعدما تكرست في الديانة العراقية القديمة. ونجد الإله أيل قد حاز عليها باعتباره رباً للارباب. وهي عنصر يُميز به الانسان بعد تقدمه في العمر وخصوصاً زمن الشيخوخة، لذا هي مقترنة مع تطور التجربة الشخصية وتكرسها. اللحية - كما قلنا - رمز لحكمته ووقاره، مثلما هي عند الإله انكي. أما الاله اليهودي يهوه فهي علامة كاذبة وقناع حاول اللوذ به. 

ويلاحظ بأنها - اللحية - علامة مبكرة في الحضارة العراقية وبعد ان تداولت وحققت تكرسها انتقلت مدوّنة عبر الاختام الاسطوانية. ومعروف بان المتداول، المتسع في الحياة عبر التواتر، يأخذ مجاله المهيمن عبر الاتصال ووسائله المعروفة آنذاك، كشكل من أشكال التبادل والحوار. ولذا كانت الاختام الاسطوانية تأكيداً لوجود هذه العلامة في الممارسة الدينية/ الثقافية.

 وفي المجال الاغريقي، حصل انفتاح على الحضارة العراقية والكنعانية، وصعدت اللحية إلى الحاضنة الثقافية وتم التعامل معها في بلورة تنويه الشخصية الانثوية المزدوجة فالالهة افروديت، ظهرت بلحية، لتعبر عن اشتراك عناصر ذكورية/ وانثوية في آن.

وأشار الأستاذ فراس السوّاح بأن الإله الابن/ ادونيس ظهر في النصوص التشكيلية جامعاً في تركيب واحد بين الاعضاء الذكورية/ والانثوية، وكان هذا باعثاً على ظهور أسطورة تبريرية لاحقة في الميثولوجيا الاغريقية وهي اسطورة الاله [هرمافروديت] ابن افروديت الملتحية من الاله هرمس الذي وحد في جسده خصائص الجنسين معاً.

وأطلق الاستاذ المفكر شفيق مقار صرخته المنطوية على سؤال موضوعي: فمن أو ماذا كان ذلك الاله؟ ابتداءً، وباستثناء التصور المتأخر زمنياً وروحياً في العصر الوسيط لذلك المعبود كرجل عجوز طيب بلحية بيضاء مسترسلة وجالس في السماء، نجد تحريماً صارماً على تصويره بأي شكل، وبخاصة نحتاً، على الرغم من وصفه باستمرار بـ "الصخرة". وقد ادّعي، استناداً الى النبيم في زمن السبي إعلاء المعبود، واصطاده الى ما فوق الجلد، ومساندة في الوقت ذاته لذلك الاجتهاد، إن التحريم إجراء وقائي وجد ضرورياً لإكساء "الشعب" مناعة ضد الوثنية وعبادة الاصنام. غير أن الكثير من الادلة التي كشفت عنها الكشوف الآثارية يشير إلى أن وضع ذلك التحريم في أساس الديانة له أسباب قاهرة متعلقة بتاريخ

المعبود.