بوصول وفدٍ سعوديٍ كبيرٍ ورفيع المستوى الى العراق وقيامه يومي 3 و4 نيسان الحالي بإجراء مباحثات مهمَّة مع نظرائه العراقيين أسفرت عن توقيع عددٍ كبيرٍ من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بمختلف المجالات بين البلدين.. مثل كل ذلك، نقلة نوعيَّة ونقطة تحول تاريخي ستراتيجي في العلاقات بين جمهورية العراق والمملكة العربيَّة السعوديَّة تتميز وتتقدم بأهميتها ودلالاتها عن كل تلك العلاقات في المراحل
السابقة.قد يبدو تحقق هذا التحول بـ (سلاسة) بعد جهود واتصالات ومتابعة بين المسؤولين المعنيين في البلدين لنحو سنتين ونضج وإدراك قيادتي البلدين بأهمية وضرورة وصول العلاقة بينهما الى ما وصلت وستصل إليه باعتبارها مفتاح تحول مماثل في العلاقة بين العراق ودول المحيط الإقليمي وخاصة دول الخليج التي أسست مع العراق مجلس حوار ستراتيجي عام 2018، وذلك لمصلحة أمن واستقرار المنطقة وتقدم وأمان وازدهار شعوبها.
لقد بدأ هذا التحول الكبير في العلاقة بين بغداد والرياض وإعادة كل منهما الى حضن الآخر بعد قطيعة لعقود وبرود في هذه العلاقة لسنوات بالزيارة اللافتة والمهمة لرئيس مجلس الوزراء السابق حيدر العبادي الى الرياض في حزيران من العام 2017، إذ تم منها الاتفاق المبدئي على مأسسة هذه العلاقة بتشكيل (المجلس التنسيقي العراقي – السعودي) والذي وافق مجلس الوزراء السعودي على تأسيسه في منتصف آب من العام نفسه ثم عقد الاجتماع الأول لأعضاء المجلس من الجانبين العراقي والسعودي في تشرين الأول من العام ذاته ايضاً، وتلا ذلك افتتاح المعبر الجوي بعد انقطاع دام 27 عاماً بحضور وزير النفط السعودي و200 رجل أعمال سعودي حطت طائرتهم في مطار بغداد، وأخيراً عقد الاجتماع التاريخي المهم الثاني للمجلس التنسيقي مؤخراً في بغداد يوم 3 و4 نيسان الحالي.
إنَّ ما يشير الى أهمية الاجتماع الثاني للمجلس التنسيقي والتحول التاريخي في العلاقة بين بغداد والرياض هو ما أسفر عنه هذا الاجتماع من نتائج أولية واعدة بتطور نوعي كبير في تلك العلاقة، إذ أفضى هذا الاجتماع الى إقرار عددٍ من الاتفاقيات والمعاهدات ومذكرات التفاهم الأمنية والتجاريَّة والمصرفيَّة والاقتصاديَّة والسياحيَّة والاستثماريَّة، وإقامة منطقة حرة في منفذ عرعر الذي سيفتح في الأشهر القادمة وكذلك افتتاح مصارف سعوديَّة في العراق ومصارف عراقيَّة في السعودية والاتفاق ايضاً على فتح باب الاستثمار في قطاعات النفط والغاز والصناعات التحويليَّة لإنتاج الطاقة الكهربائيَّة والمتجددة والبتروكيمياويات.
هذا اضافة الى دراسة مسألة تصدير التمور العراقية والقمح وتحقيق التكامل في الأمن الغذائي والاستثمار في الدواجن والإصلاح الزراعي، ومن أبرز ما اتفق عليه وضع خطة للربط السككي بين البلدين وتطوير الموانئ والنقل الجوي وإعادة تأهيل طريق الحج القديم من الكوفة الى الديار المقدسة، أما فرص الاستثمار التي تقدم بها الجانب السعودي فقد بلغت 136 فرصة سيعمل بها في قطاع الإعمار والبنى
التحتيَّة. أما مشروع المدينة الرياضية الذي قدمت السعودية مليار دولار لبنائه فقد بوشر بالخطوات الأولى لتنفيذه.. هذا إضافة لاتفاقيات عديدة أخرى لتطوير التعاون في مختلف المجالات بين
البلدين.
لكنْ ينبغي القول، إنَّ هذا التحول التاريخي في العلاقات العراقيَّة السعوديَّة الذي تحقق بـ (سلاسة) ابتداءً لنْ يكون مسار تطوره وتوسيعه بالسلاسة ذاتها، فدون ذلك عقبات قد تعرقل وتيرة تنفيذه ممن لا يروق لهم هذا التحول من داخل العراق وخارجه، إذ لا يروق لواشنطن تطور علاقات العراق مع إيران مثلما لا يروق لإيران تطور العلاقات مع واشنطن. إنَّ الصراع الأميركي – الإيراني، وكذلك الصراع الإيراني مع السعودية ودول الخليج الأخرى سينعكس سلباً على الرغبة العراقيَّة الجامحة للنأي بالنفس عن الانحياز لأيٍ من محاور الصراع وهو ما تؤكد عليه القيادات العراقيَّة التي تطرح بدلاً عن ذلك أنْ يكون العراق نقطة تلاقٍ بين مختلف التيارات والقوى الإقليميَّة والدوليَّة المتصارعة بعد أنْ سئم وأتخم من الحروب والموت والدمار، وفي حين إنَّ بعض هذا القوى والدول لا يريد للعراق هذا الدور فإنَّ ممانعة الدولة لمحاولات جرها والعراق لهذا المحور أو ذاك يتطلب منعه دعماً شعبياً وسياسياً واسعاً ومؤثراً يضع مصلحة العراق وشعبه أولاً وثانياً.. وعاشراً قبل مصالح الآخرين وليس على حسابهم والسعي الحثيث لإقناعهم
بذلك.