جماليَّات الكاظميَّة في القرن العشرين

ثقافة 2023/02/08
...

 باسم عبد الحميد حمودي


مثلما عرفت مدينة الكاظمية بدفينيها المبجلين الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد عليهما السلام وتوابع وجودهما المقدس في هذه الأرض التي اجتمع الناس من شتى القبائل والمهن فيها، عرفت المدينة أيضاً بصناعاتها النسيجية الرائعة، واستخدام نساء الكاظمية العاملات في صناعة (الشيلة) وهي الفوطة النسائيّة والعصابة، الابريسم في تقانة هذا النوع من أغطية الرأس.

كانت الكاظمية مدينة النسّاجين ويقول علي الزبيدي مؤلف (شذرات من تراث الكاظمية في القرن العشرين) إنَّ معمري المدينة يذكرون أن ستائر قصر الخديوي إسماعيل في مصر تمَّ نسجها من الحرير الخالص في الكاظمية ورصّعت بالفضة لإضفاء جماليّة أكبر عليها.

ويعد هذا الكتاب موسوعة مهمة حفظت لمدينة الكاظمية كل تاريخها في حقول الصناعات الشعبية، والأدب، والمجالس الثقافية، والبيوت المعروفة، والمحلات، والشخصيات السياسية، وكل ما يتصل بالعمران والفن ومظاهر الحياة.

إنَّه ذاكرة متكاملة في كتاب ألّفه وسط سنوات من التعب والاستقصاء والتحليل الاستاذ علي عبد الأمير الزبيدي في 427 صفحة وأصدرته دار العصامي تحت عنوان (شذرات من تراث الكاظمية في القرن العشرين).

سميت الكاظمية بهذا الاسم بدلا من الاسم القديم (مقابر قريش) عندما دفن فيها الإمام السابع موسى الكاظم عليه السلام عام 183 للهجرة وحفيده محمد الجواد عام 219 هـ.

وكان ممن دفن في مدافن الكاظمية التي كانت قبل هذا معروفة باسم منطقة مقابر قريش الكثير من الخلفاء والثقاة والقضاة ومنهم الخليفة العباسي محمد الأمين (208 هـ) ووالدته السيدة زبيدة (216 هـ) وقاضي القضاة أبي يوسف صاحب كتاب (الخراج) وعبد الله ابن حنبل والشريفان الرضي والمرتضى وابن الأثير، وبشر الحافي وعشرات الأعيان والسادة

الموصوفين.

لم يترك الزبيدي في عمله هذا الكثير لمن يأتي بعده من دارسي تاريخ الكاظمية وتراثها الاجتماعي وأنسابها ومحلاتها وعمارتها والأحداث التاريخية التي مرت بها هذه المدينة منذ ألف عام أو تزيد.

ويذكر مقدم الكتاب الدكتور حسين علي محفوظ قدسية قبر الإمام موسى بن جعفر(وهو الكاظم الذي سميت المدينة باسمه) يقول إن شيخ الحنابلة (ابوعلي الخلال) كان يقول:

(ما همّني أمرٌ فقصدت قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به إلّا سهّل الله عليَّ ما أحب) وقال  الإمام الشافعي (قبر موسى بن جعفر ترياقٌ مجرّبٌ لإجابة الدعاء)

وفي الكرخ وعند نهاية محلة الجعيفر، نقول نحن الكرخيون (هذا باب الكاظم) ونعني باب قضاء الحوائج، إيمانا من الطبقات الشعبيَّة برسوخ فضل الإمام المبارك وقدرته (بإرادة الباري) على مساعدة الملهوف المحتاج.

إنّه إيمان كرخي لا شك فيه وتروى عنه عشرات القصص النادرة في مساعدة المحتاج وفك أسر المريض من مرضه.. الخ.

نعود إلى موسوعة الزبيدي، فنقول إنّه تابع في القسم الأول من الكتاب جانبها التاريخي من الـتأسيس إلى قيام الحكم الوطني الملكي، ثم جاءت فصول الكتاب متتابعة لتقدم علماء وفقهاء المدينة الأفذاذ وتفاصيل عن حيوات القريبين تاريخياً مثل الإمام مهدي الخالصي الكبير، وسدنة الروضة الكاظمية، ورجال الفكر فيها وهم كثيرون، أمثال الدكتور علي الوردي صاحب اللمحات، وعلي جليل الوردي القاضي الشاعر، ومحمد فاضل الجمالي السياسي الكبير، والشيخ العلامة حسين آل ياسين عضو المجمع العلمي العراقي الذي جاء ولده البكر الدكتور محمد حسين آل ياسين ليكون رئيساً للمجمع وينهض به نهضة حديثة في الجوهر والعمل اليومي.

وقد خصص الزبيدي فصولاً عن الحياة العلميّة والثقافيّة بمختلف أنواعها وشخصياتها قديما وحديثاً، فضلاً عن رجال الصحافة والفن والقانون والطب.

وقد وقف المؤلف عند المعاهد العلمية في المدينة من مدارس الى شخصيات في الطب والقانون والصيرفة، وعاد ليتحدث عن الجوانب الإداريّة (مركز الكاظمية الإداري – مختارو المدينة- وسائط النقل) وصولاً إلى الحياة الاجتماعية والمهنية في المدينة، حيث فصل في تاريخية المواكب الحسينية، وأنواعها، وخطبائها، ومجال العزاء النسائي فيها واحتفالات الكاظمية بليلة القدر وتقاليد الاحتفال بشهر رمضان والأعياد الدينية المقدسة وتقاليد الحج والحملدارية (متعهدو الحج والعمرة) والكتاتيب وأشهر الملالي والملايات اللواتي تسميهن النساء (الأستات) وهي كلمة تحويل لكلمة (الست). 

لا يقتصر عمل المؤلف على هذه الحدود بل يضيف شخصيات المهن الاجتماعية الأخرى مثل المولدة (القابلة) وتاريخ الدفن واسماء أشهر العاملين في هذه المهنة ومهن السقاية وخدمة المرقد الشريف، مع قائمة بأهم الشخصيات الاجتماعية للمدينة خلال مئة عام.

وتولى الباحث بعد ذلك تخصيص فصل مهم عن الصناعات والمهن في الكاظمية عاقدا فصلاً عن الصناعة الرئيسة لمدينة الكاظمية وهي صناعة النسيج، والصناعات الشعبية الأخرى.

لم يترك المؤلف مهنة من المهن إلّا وفصّل فيها وذكر أسماء أعلامها كرجال الدين والأدب والصحافة، والمهن والصناعات المتعدة، والأسواق التجارية والأحداث العامة، بحيث غدا مرجعاً مهماً لدراسة الكاظمية من سائر جوانبها المتعددة الزاخرة.