براءات الاختراع.. ثروة وثورة

اقتصادية 2019/04/09
...

عبدالزهرة محمد الهنداوي
تمثلُ براءات الاختراع والنماذج الصناعيَّة في كل دول العالم، نافذة مهمَّة باتجاه تطوير الواقع التنموي بجميع قطاعاته الصناعيَّة والزراعيَّة والتعليميَّة والطبيَّة وغيرها، ذلك لأنَّ براءة الاختراع هذه، إنما هي خلاصة مركزة للعديد من التجارب، وبالتالي فإنها تختصر لنا الكثير من الجهد والوقت والمال، باتجاه التطوير
 والتحسين للواقع.
والأكثر من ذلك إنَّ براءات الاختراع باتت تمثلُ مرتكزاً مهماً من مرتكزات تحقيق أهداف التنمية المستدامة بمفهومها الواسع والشامل القائم على أساس التحسين والتطوير المستمرين.. وفي العالم يعود الفضل في الكثير من الاكتشافات العلميَّة التي غيرت مجرى حياة الشعوب، إلى مخترعين ومبتكرين توصلوا إلى ما توصلوا إليه من نتائج، جرى استثمارها من قبل الحكومات أو الشركات وتحويلها من براءة اختراع، إلى ثورة في الواقع وثروة للأجيال.
وفي العراق لدينا من براءات الاختراع والنماذج الصناعيَّة الكثير، ويعدُّ من أوائل بلدان المنطقة التي بدأت بتسجيل ومنح براءات الاختراع، ما دفع الكثير من المخترعين الى تسجيل براءاتهم في بغداد، وقد بدأ تسجيل البراءات منذ العام 1970، إذ يذكر الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية أنه أصدر قرابة الـ(6) آلاف براءة اختراع، وسجل أكثر من (1000) نموذج صناعي منذ العام 1970 لغاية 2018، ولم تمر أي سنة من السنين من دون تسجيل براءة أو نموذج صناعي، باستثناء العام 2005 الذي لم يشهد تسجيل أي براءة اختراع بسبب الظروف الأمنيَّة والسياسيَّة التي كان يمر بها البلد في 
حينها.
وعندما نتحدث عن مثل هذا العدد الكبير من البراءات والنماذج، فإننا نعلنُ ثورة مجلجلة وثروة عظيمة، فيما لو جرى استثمارها بنحوٍ سليمٍ، إذا ما علمنا أنَّ هذه الاكتشافات غطّت كل جوانب ومسارات التنمية، ولكنْ، هل جرى أو يجري فعلاً استثمارُ هذه الثروة لتحقيق الثورة 
الموعودة؟.أعتقد إلى الآن، وبحسب المعطيات المتوفرة لدي، ما زال الاستثمار في البراءات خجولاً ومتواضعاً، فباستثناءات بسيطة، فإنَّ غالبية تلك البراءات ما زالت تستقرُ في الرفوف العالية بانتظار من يصطحبها 
إلى الميدان.
ولكي لا يُفسر هذا الكلام في غير مساراته، فإنَّي أقول، من المؤكد إنَّ بعض هذه البراءات ليس من السهولة بمكان ترجمتها إلى واقع عملي، لأنها بحاجة إلى إمكانات هائلة، ومثل هذه الإمكانات غير متوفرة في ظروف مثل ظروف العراق، إنما في المقابل، توجد براءات أخرى، بالإمكان تحويلها إلى واقع من خلال تبنيها من قبل هذه الجهة أو تلك.
وقد بدأنا في الآونة الأخيرة نسمع ونقرأ تصريحات وبيانات حكوميَّة تتحدث عن وضع خطة أو رؤية للإفادة من براءات الاختراع المسجلة، سواء كانت الوطنية منها أو الأجنبية، 
وهذا أمرٌ يدعو إلى التفاؤل، ولكنه غير كافٍ أبداً، وإجراءات الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية لوحدها هي الأخرى غير كافية، فالقضية تحتاجُ إلى جهدٍ مشتركٍ من القطاعين العام والخاص لاستثمار ما يمكن استثماره من براءات الاختراع.
ويمكن أن يكون لمنتدى المخترعين العراقيين بالتعاون مع وزارة التخطيط،التي أعلنت خطة في هذا المجال، التحرك المنهجي باتجاه دفع مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة إلى الاطلاع على البراءات غير المستغلة، كخطوة أولى، ومن ثم الذهاب باتجاه الخطوة الثانية وهي
 الاستثمار.
ولتحقيق ذلك فإنَّ الأمرَ يتطلبُ اتخاذ بعض الإجراءات الأساسيَّة، من بينها مثلا إقامة مؤتمر موسع يهدف إلى الترويج للبراءات المهمة القابلة للاستثمار، وكذلك، فإننا بحاجة إلى ترويج إعلامي لتلك البراءات، لكي يتم الاطلاع عليها من قبل المهتمين بهذا الشأن، يرافق ذلك قيام الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية بإعلام الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة بما مسجل لديه من براءات، لأنَّ مثل هذه الخطوات يمكنها أنْ تؤسس لثقافة تنمويَّة جديدة عنوانها (الاستثمار في براءات الاختراع)، كما أنها ستشجع كثيراً المخترعين نحو المزيد من الاختراعات الجديدة المهمة، وكل هذا الحراك سيحقق لنا ثورة البراءات التي ستحقق لنا ثروة عظيمة.