تأثير الحركة الانطباعيَّة في الأدب: ملامسة الحواس للخيال

ثقافة 2023/02/11
...

 عدوية الهلالي


الانطباعيّة الأدبيّة هي حركة ولدت في نهاية القرن التاسع عشر، وقد استوحيت من تأثير الفنانين التشكيليين الانطباعيين. وكان هدفها معارضة الأدب الواقعي الذي ساد في ذلك الوقت. وتميز الأدب الانطباعي بتركيزه على الحياة العقليّة للشخصيات. وشمل ذلك سرد تقديره للواقع، والمشاعر، والأحاسيس، والعواطف. وقد سعى الانطباعيون إلى هدف تقديم القصص من وجهة نظر ذاتية للواقع. وللقيام بذلك، تناولوا مجموعة محدودة من التفاصيل التي سمحت لهم بنقل الانطباعات الحسية التي تسببت فيها حادثة أو مشهد في شخصية ما.

كانت ولادة الانطباعية الأدبية في فرنسا بفضل الأخوين غونكور، اللذين أسسا أول مجلة انطباعية عام 1856 ونشرا عدة روايات من هذا النوع. ومثل الحركات الفنية الأخرى، نشأت الانطباعية في الرسم وتم نقلها لاحقًا إلى الأدب، وقد استندت الانطباعية التشكيلية إلى التقاط الصور بطريقة غير موضوعية، حيث كان من الممكن التقاط الأحاسيس بدلاً من الصور الواقعية.

ويمكن اعتبار السمة الأساسية للانطباعية هي الميل إلى وصف الأشياء المشار إليها بالتفصيل. ومع ذلك، كانت هذه الأوصاف دائمًا ذاتية، اعتمادًا على الانطباع الذي تركته على الشخصيات. لهذا السبب، لا يمكن مقارنة الأوصاف الموجودة في النصوص الانطباعية بتلك التي تقدمها القواميس. ولم يكن هدفها تحديد الواقع بدقة، ولكن كان هدفها هو التقاط جوهرها في الأحاسيس التي تولدها في الإنسان.

وقد سعى الانطباعيون إلى فصل أنفسهم عن البرودة الأكاديمية والعاطفية الرومانسية. لذلك، كانت موضوعاتهم موجهة نحو الاستحضار العاطفي لتفاصيل الحياة اليومية التي يسردونها بعبارات بسيطة ومباشرة.

وتميل الانطباعية في شكلها المكتوب نحو الحس المتزامن اي استذكار شيء من خلال شيء آخر، كأن يذكرنا عطر ما بمكان أو حدث معين. وهذا يعني أن ممثليها سعوا إلى خلق شكل من أشكال التعبير يستخدم تصورات جميع الحواس ويمزجها. فعلى سبيل المثال، وصفوا الأشياء المرئية من خلال سرد الروائح أو القوام.

وفي هذا الأدب، تتلامس الحواس مع الخيال. ويحدث هذا لأن المواقف مليئة بالقوة العاطفية التي تربط القارئ بالقصص من خلال ما تدركه حواس الشخصيات أي الألوان والروائح والأحاسيس الجسدية والعاطفية.

ولد إدمون غونكور عام 1822 وتوفي عام 1896. وولد أخوه جول غونكور عام 1830 وتوفي عام 1870. وكانا كاتبين فرنسيين معترف بهما كمؤسسين وممثلين للانطباعية الأدبية وقد تمتعا بوضع اقتصادي جيد يسمح لهما بتكريس أنفسهما للفن والأدب. وفي البداية، صقلا النوع التاريخي وكانا مهتمين بشكل خاص بفرنسا في القرن الثامن عشر، لا سيما فيما يتعلق بالثورة الفرنسية. وفي وقت لاحق غامرا بالنقد الأدبي ثم الرواية. 

وتميزت أعمالهما بوصف الحياة اليومية في باريس، والتي تعد حاليًا تراثًا أدبيًا وثقافيًا ذا أهمية 

كبيرة.

وبعد وفاة جول عام 1870، واصل إدمون تكريس نفسه للأدب. وكان من أبرز أعماله في تلك الفترة كتاب بعنوان (الأخوان زيمغانو) الذي نُشر عام 1879. ومن خلال هذه السابقة، سعى الكتاب الانطباعيون إلى تحقيق التأثير نفسه في الصور التي التقطوها في أعمالهم الشعرية والدرامية. لهذا السبب، سعوا إلى إعطاء قيمة أكبر لوصف التأثيرات المعقولة.

ومن الكتاب الانطباعيين المعروفين أوكتاف ميرابو الذي ولد في فرنسا عام 1850 وتوفي عام 1917. وعمل موظفًا حكوميًا حتى مغادرته ليكرس نفسه للصحافة. وتميز في عمله الصحفي بنقده الاجتماعي وابتكاراته الأدبية الجريئة. وكان مدافعًا عن الرسامين الانطباعيين، وقد انتقده المجتمع بشدة في ذلك الوقت. ولاحقًا، سيقترب هو نفسه من الكتابة الانطباعية ايضا. 

نشر ميرابو سلسلة من القصص بعنوان (رسائل من كوخي) فضلا عن روايته الأولى (لوحة المفاتيح) في عام 1886. كما غامر في المسرح مع أعمال مثل (العمل هو العمل)، الذي تمت ترجمته إلى لغات عدة.

ومن أبرز الكتاب الانطباعيين مارسيل بروست الذي ولد في فرنسا في 1871 وتوفي في البلد نفسه عام 1922. وكان أحد أبرز الكتاب الفرنسيين الذين كان لهم تأثير كبير في القرن العشرين. وتأثرت أعماله بالانطباعية والرمزية من خلال التفاصيل التي كان يقدمها لملاحظات وأوصاف الأشياء. ومع ذلك، فإن السمة الرئيسية له هي انتماؤه الى تيار الوعي. وتتميز رواياته بأنها مونولوجات غير مباشرة يوجه فيها الراوي القارئ من خلال أفكار ومشاعر الشخصيات كما يقوم الراوي بتغيير وقت ومكان ومنظور الأحداث. وقد كان أسلوبه عرضة للحقائق والشخصيات الغريبة والشاذة، والتي وضعها بطريقة طبيعية وحشية ركزت على كل التفاصيل. ودفعته هذه الخاصية إلى التقاط أكثر الأحاسيس قسوة بطريقة حساسة للغاية.

أما الكاتبة الشهيرة فرجينيا وولف فقد وُلدت، في لندن عام 1882 وتوفيت عام 1941. وكانت رواياتها مبتكرة بشكل خاص في ما يتعلق بالبنى الزمنية والمكانية للسرد. وقد أتقنت أسلوبها في المونولوج الداخلي، حيث يتم تقديم أفكار الشخصيات بشكل طبيعي. فهم يمثلون التدفق اللاواعي وغير المنظم للأفكار، مما سمح لها بالموازنة بين العوالم العقلانية وغير العقلانية.

وبفضل رواياتها (السيدة دالاواي) و(قلب الظلام) تم اعتبارها كواحدة من أهم ممثلي التيار، إذ قيل إن هذه الروايات هي أفضل الأمثلة على النوع الذي يصعب شرحه ووصفه. وكانت وولف رائدة في عصرها في التفكير في الوضع الاجتماعي للمرأة، وكذلك العلاقة بين المرأة والفن والأدب. وقد نُشرت تأملاتها في مقالات سيكون لها فيما بعد تداعيات كبيرة على الحركة النسويَّة.