فلسفة ماركس في رأس المال

ثقافة 2023/02/18
...

 عبد الغفار العطوي


القراءة الافتراضية التي نتوقعها في قراءة ألتوسير لرأس المال تعني تلك القراءة القائمة على حدود الافتراض من كونه مشروعاً فلسفياً قابلاً للبطلان، فقد حقق لويس ألتوسير بها إعادة إحياء ماركس في فلسفته عن طريق إثباته القدرة الفائقة في فهم فلسفة بدت بعيدة عن الإحاطة بها في نسق واحد من التصور في القراءة! إذا أولاً ما المراد بالقراءة؟ قبل معرفة ما هي القراءة، يجب أن نفهم الرابط أو العلاقة التي بينها وبين ما يطلق عليه بالنص، فلا قراءة من دون نص، وإن كانت الأسبقية في استخدام النص في النظرية النقدية من خلال توظيفه عبر تطوراته اللغوية  والمصطلحية والدلالية والاستعمالية، وإذ تكون قراءة النص الفلسفي هنا هي الأساس بالنسبة لكتاب رأس المال لماركس، قائمة على محاولة ألتوسير في إنشاء المغايرة لما هو متعارف عليه لفلسفة ماركس فمن المطلوب في ذلك لان تعرض فلسفة ماركس للقراءات المختلفة من مناظير متباينة، هي التي أدت لهذه القراءة الالتوسيرية المتعاطفة في ما يمكن القول إنها علمية، من حيث يمكننا الاتفاق مع ما يطرحه حيدر دوشي بصدد (الفلسفة بوصفها قراءة آثمة)، لأن آراء التوسير الفلسفية وأفكاره موجودة في قراءته الجديدة لماركس، فهو قد أخذ على عاتقه القيام بمهمة تبدو شديدة الضخامة، مما جعل العالم يلتفت لمحاولة تلك القراءة بشيء من الرضا، والرغبة في تأصيل فلسفة ماركس العلمية، على يد فيلسوف ماركسي منافح عن ماركسيته، ليجد منفذاً لماركس كي يحقق للاقتصاد الساسي ديمومته من منظور فلسفة العلم، كانت قراءته تعطي للتوازن بين المنحى الأكاديمي والمنحى الإيديولوجي فرصة اللقاء على ارض محايدة، وإن كانت هي قراءة غير المقروء، لأنه تعرض للجانب الابستمولوجي في كتابات ماركس الفلسفية، مما أنعش النظرية المعرفية التي كانت بحاجة إليها، ولمعرفة المزيد من أكثر الفلاسفة الغربيين الذين ركز الباحثون عليهم دراسة وبحثاً في فلسفتهم، وتراثهم، وقد تركوه بعدهم بما أنتجه من تشخيص، في إشكاليات العالم والفكر الإنساني ودقة تنبؤاتهم، فشغلوا اهتمام الفلاسفة والباحثين والعلماء الذين جاؤوا بعدهم، هو كارل ماركس (1818 - 1883) كان فيلسوفاً ومنظراً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، ويكمن أساس نظرياته في التاريخ السياسي الفرنسي والفلسفة الألمانية والاقتصاد الإنكليزي. وقد يكون هذا هو ما أغرى الآخرين في دراسة جوانب فكره المتعددة طوال هذا التاريخ، وحتى الآن، بيد أن اختلاف طرق ومناحي دراستهم جعلته يبدو إشكالياً، بدءاً بتاريخه الشخصي، إلى علاقته بصداقة غريبة مع فريدريك انجلز، مما أدى إلى أن يطور فكرته الدقيقة من ضياع الإنسان المجتمع الرأسمالي، وضرورة وجود ثورة البروليتاريا التي تعمل على إحداث التغيير الاجتماعي، ولعل فشله في الصحف التي كان يترأس تحريرها مع الضغط السياسي جعلته يختار لندن في عام 1849، ثم بعدها في عامي (1857 - 1858) أصدر ثلاثة مجلدات من (رأس المال) وفيها يوسع نظريته عن القيمة الزائدة، والصراع الطبقي المتأصل، والنشوء التاريخي المحتوم من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وربما كانت هذه النقطة هي الأساس في بقائه حاضراً في الوجدان الإنساني، وتعددت قراءاته بتعدد وجهات نظر الناظرين لفلسفته فيها، لذا سنركز عليها هنا، وعلى نقطة التفارق في قراءات الآخرين له التي توجت بقراءة الفيلسوف الماركسي الفرنسي لويس ألتوسير (1918 - 1990) لفلسفة ماركس، بطريقة تختلف عن بقية القراءات التي حاولت أن تبين أهمية الماركسية للعالم، خاصة في مواجهة الرأسمالية، وكانت جهود التوسير في المشهد الثقافي قد ظهرت في عام 1965 بعد نشره كتابه (من أجل ماركس) ثم نشر كتابه الآخر قراءة في (رأس المال) باعتباره كتاباً جدلياً منذ صدوره، وقد قرأه الجميع تقريباً، ولاقى اهتماماً بمن قبل من تأثر به، وأثار صدى واسعاً بين أتباعه، فماركس يحتفظ  بتاريخ شخصي وضمن ظروف عصره ما يجعله شاغًلاً لكل العصور التي تأتي بعده، بيد أن اللافت للنظر أن هذه القراءة قد اتسمت بالاختلاف فيما بين القراءات التي جاءت بعده، وانقسمت إلى نزعتين: أولاهما تقليديّة تتسم بالمنحى الإيديولوجي الاجتماعي في فهم نظريته ضد الرأسماليّة خاصة، وقد انتهت كل القراءات الإيديولوجية إلى طريق مسدود، لأنّها لم تراع النزعة العلميّة في القراءة، بل اتجهت نحو استنتاجات طوباويّة، في حين وجدنا في النزعة الثانية في بروز بعض القراءات المغايرة لهذا المنحى، وشكلت معلماً جديداً في قراءة علمية لتراث ماركس، فقراءة ألتوسير لـ (رأس المال) امتازت من كونها قراءة علمية، تتناسب مع رؤية ألتوسير في اعتقاده أن الفلسفة إذا أرادت أن تتطور، يجب أن تحذو حذو العلم، لهذا كانت قراءة التوسير شدت انتباه كثير من قرائه في العالم من حيث أن تلك القراءة في هذا الكتاب عمل جماعي قام به التوسير مع مجموعة من تلاميذه عام 1965 اشترك التوسير في بحثين فيه هما (من رأس المال إلى فلسفة ماركس) و (موضوع رأس المال) لخص البحث الأول في تأكيد التوسير في أهمية العودة لقراءة جديدة لرأس المال بغية فهم فلسفة ماركس.