شعبيَّةٌ متزايدةٌ وحضورٌ ملحوظ

ثقافة 2023/02/19
...

 ترجمة: مظفر لامي


مع التقدم الكبير في تكنولوجيا التقنيات الرقميَّة، تظهر في الساحة الفنيَّة أنواع مختلفة من الفنون الرقميَّة التي لها تأثير كبير على الفن التقليدي الذي أكسب الفنانين خبراتهم الأولى. والملاحظ هنا أن الميزات البارزة في الفن الرقمي تتمثل في سهولة حمله ونشره وطباعته في أماكن عديدة، فضلاً عن سهولة تدارك الأخطاء فيه والتي لها أهمية كبيرة. للفن الرقمي أيضاً أفضلية التكلفة القليلة والإيرادات الكبيرة المحتملة مقارنة بالفن التقليدي، وخير مثال على ذلك لوحة الفنان مايك وينكلمان الرقميّة التي بيعت مؤخرا بمبلغ 69 مليون دولار، مع أن وجودها افتراضيا وليس ماديا. لكن، برغم كل تلك المزايا والشعبية المتزايدة، لا يزال يبدو للبعض أن تأثير الفن الرقمي على سوق الأعمال الفنية الحالي غير واضح، فالبيانات والتوقعات لا تظهر نتائج مشجعة، لكن كثيرا من المقالات، تذكر وجهات نظر متفائلة في ما يخص سوق الأعمال الرقميَّة. 

يعرف الفن الرقمي بأنّه عمل أو ممارسة فنيَّة تستخدم التكنولوجيا الرقميَّة كجزءٍ من عملية الإبداع والعرض. وتعود بداياته لستينيات القرن الماضي كشكل جديد من أشكال الفن الإعلامي. وبعض الدراسات حددت خمسة عشر نوعاً من الفن الرقمي، بعضها شائع في حياتنا، مثل رسومات الكومبيوتر ثنائية وثلاثية الأبعاد، التصوير الرقمي، الرسم الصوري، فن البكسل، الكولاج الرقمي والرسم الرقمي ثنائي وثلاثي الأبعاد. 

ولهذا الفن سماته واختلافاته الكبيرة عن الفن التقليدي، وبرغم توصيفه كرمز ثنائي، يظهر بصريّاً على الشاشة، فإنّه يُنجز عادةً على جهاز لوحي للرسم وباستخدام قلم له أداء مشابه للفرشاة وأداة مزج الألوان وقلم الرصاص، يضاف إلى ذلك تنفيذ الرسوم المتحركة الذي هو ميزة فريدة، لا يمكن للفن التقليدي القيام بها، حيث تعرض صورة/ رسم كل جزء من الثانية لإنشاء حركة. يحتوي الفن الرقمي أيضاً على طبقات وأوضاع مزج وأقنعة قص وأدوات دلو الطلاء وتغير الحجم وإعادة التشكيل والمساطر السحريّة، إذ تسمح هذه الأدوات الرقميّة بعمل تأثيرات خاصة وعمليات جديدة تماما في الاشتغالات الفنيَّة.

يعتقد عدد كبير من النقاد والقيمين أن الأدوات هي من تنجز الأعمال الفنية الرقميّة الأمر الذي يدعوهم لعدم الاعتراف بأيِّ براعة تنسب لأصحابها، لكن ذلك لم يمنع من وجود قبول واسع لهذا الفن، كما حدث في الماضي مع أشكال أخرى من الفنون. 

ثمة أسباب أخرى تدعونا للتفاؤل بمستقبل الفن الرقمي، لعل أولها ما حدث من ثورة في صناعة السينما بواسطة التقنيات الرقميَّة، كذلك بدأت المتاحف في جميع أنحاء العالم في قبول الرسوم التوضيحيّة والصور الشخصية الرقميّة، ومن دون أدنى شك، أخذت هذه الأعمال الفنية تحتل مساحة مهمة في الحياة الاجتماعية، وتدخل في مجالات عديدة مثل الأزياء والتصاميم الداخلية. 

من الملاحظ أن العديد من الفنانين كانوا قد شرعوا بتعلم الفن التقليدي في مقتبل حياتهم، لكنهم أخذوا يقضون تدريجياً أوقات طويلة من العمل في الفن الرقمي، وهم بذلك، يتشاركون في الآراء  مع الفنان كات ساندر الذي يرى أن الميزة المهمة في الفن الرقمي تتمثل في ملاءمته، إذ يمكن للفنانين إحضار جهاز ipad إلى أي مكان من دون القلق بشأن أي زيادة في الإنفاق، ومن ثم، نشر الأعمال ومشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمجرد الانتهاء منها. كذلك يمكن طباعتها على القمصان والأكواب وغيرها من المقتنيات، والأهم من ذلك، إمكانية تصحيح الأخطاء بسهولة أثناء العمل. 

وفي ما يتعلق بسوق العمل، تظهر البيانات بين عامي 2008 - 2018 أن معدل النمو الإجمالي لتوظيف الفنانين يبلغ نحو 10 بالمئة ومن المتوقع زيادة النسبة 25 بالمئة لوظائف مختلفة، تشمل فنيي المتاحف والقائمين بالترميم، والقيمين ومهندسي المناظر الطبيعية، ومصممي الديكور الداخلي. كما سلّطت الأضواء مؤخرا على الفنون الرقميّة من خلال اندماجها مع سوق العملات المشفرة الذي يتجاوز 2 تريليون وما زال في تصاعد كبير، إذ يمكن التحقق من أصل الأعمال الفنيَّة من خلال رموز غير قابلة للاستبدال تدعى (NFTs) التي تمكن من تداول الأعمال الفنية الرقميَّة كأصول، يتم تحديد قيمها عبر التداول أو المزادات باستخدام العملات الرقميَّة. وهذه الآليَّة توفر للفنانين الرقميين وسيلة محتملة للربح، يتحصلون منها على حصة من الإيرادات، في كل مرة يتم فيها تداول أعمالهم الفنيَّة عبر الانترنت. 

في المجمل، تقدم لنا التقارير والبيانات الإحصائيَّة خلاصة مفادها أن سوق عمل الفنانين الرقميين ليس صغيرا، إذ يبلغ متوسط عدد الوظائف، من دون قيود على الراتب، نحو  22500 وظيفة براتب يتجاوز 60 ألفاً في 65 بالمئة منها، مما يعني عدم حاجة أصحابها لوظيفة ثانية. وهذا الرقم أكبر بكثير من الذي أشارت إليه تقديرات مكاتب العمل، ويعطي مؤشراً واضحاً عن تأثير الشعبيَّة المتزايدة للفن الرقمي على سوق العمل الحالي 

للفنانين.